فلمَّا هبطنَ السَّهلَ واحتلنَ حيلةً ... ومن حيلةِ الإنسانِ ما يُتخوَّفُ
حملنَ جرانَ العودِ حتَّى وضعنَهُ ... بعلياءَ في أرجائها الجنُّ تعزفُ
فلا كفلَ إلاّ مثلَ كفلٍ ركبتهُ ... لخولةَ لولا وعدَها ثمَّ تُخلفُ
فلمَّا التقينا قلنَ أمسى مسلّطاً ... فلا يُسرفَنْ ذا الزَّائرُ المتلطِّفُ
وقلنَ تمتَّع ليلةُ اللهِ هذه ... فإنَّك مرجومٌ غداً أو مسيّفُ
وأحرزنَ منِّي كلَّ حجزةِ مئزرٍ ... لهنَّ فطارَ النَّوفليُّ المزخرفُ
فبتنا قعوداً والقلوبُ كأنَّها ... قطاً شرَّعُ الأشراكِ ممَّا تخوَّفُ
علينا النَّدى طوراً وطوراً يرشُّنا ... رذاذٌ سرى من آخرِ الليلِ أوطفُ
وبتنا كأنَّا بيَّتتْنا لطيمةٌ ... من المسكِ أو خوَّارةُ الرِّيحِ قرقفُ
يُنازعننا لذاً رخيماً كأنَّهُ ... عوائرُ من قطرٍ حداهنَّ صيِّفُ
رقيقُ الحواشي لو تسمَّعَ داهبٌ ... ببطنانَ قولاً مثلهُ ظلَّ يرجفُ
حديثاً لو انَّ البقلَ يُولى ببعضهِ ... نمى البقلُ واخضرَّ العضاهُ المصنّفُ
هو الخلدُ في الدُّنيا لمنْ يستطيعهُ ... وقتلٌ لأصحابِ الصَّبابةِ مذعفُ
ولمَّا رأينَ الصُّبحَ بادرنَ ضوءهُ ... دبيبَ قطا البطحاءِ أو هنَّ أقطفُ
وأدركنَ أعجازاً من الليلِ بعدَما ... أقامَ الصَّلاةَ العابدُ المتحنِّفُ
وما أبنَ حتَّى قلنَ يا ليتَ إنَّنا ... ترابٌ وليتَ الأرضَ بالنَّاسِ تخسفُ
فإنْ ننجُ من هذي ولم يشعروا بنا ... فقد كانَ بعضُ الحينِ يدنو فيصرفُ
فأصبحنَ صرعى في الحجالِ وبيننا ... رماحُ العدى والجانبُ المتخوَّفُ
يبلِّغهنَّ الحاجَ كلُّ مكاتبٍ ... طويلُ العصا أو مقعدٌ يتزحَّفُ
ومكمونةٍ رمداءَ لا يحذرونَها ... مكاتبةٍ ترمي الكلابَ وتحذفُ
رأتْ ورقاً بيضاً فشدَّتْ حزيمَها ... لها فهي أمضى من سليكٍ وألطفُ
ولنْ يستهيمَ الخرَّدُ البيضَ كالدُّمى ... هدانٌ ولا هلباجةُ الليل مقرفُ
ولا جبلٌ ترعيَّةٌ أحبنُ النّسا ... أغمُّ القفا ضخمُ الهراوةِ أغضفُ
حليفٌ لوَطْبيْ علبةٍ بقريَّةٍ ... عظيمُ سوادِ الشَّخصِ والعودُ أجوفُ
ولكنْ رفيقٌ بالصِّبى متبطرِقٌ ... خفيفٌ دفيفٌ سابغُ الذَّيلِ أهيفُ
قريبٌ بعيدٌ ساقطٌ متهافتٌ ... بكلِّ غيورٍ ذي فتاةٍ مكلّفُ
فتى الحيِّ والأضيافِ إنْ نزلوا بهِ ... حذور الضُّحى تلعابةٌ متغطرفُ
يرى الليلَ في حاجاتهنَّ غنيمةً ... إذا نامَ عنهنَّ الهدانُ المزيَّفُ
يلمُّ كإلمامِ القطاميّ بالقطا ... وأسرعَ منهُ لمسةً حينَ يخطفُ
فاصبحَ في حيثُ التقينا غديَّةً ... سوارٌ وخلخالٌ وبردٌ مفوَّفُ
ومنقطعاتٌ من حجولٍ تركتُها ... كجمرِ الغضا في بعضِ ما يتخطرفُ
وأصبحتُ غرِّيدَ الضُّحى قد ومقنني ... بشوقٍ ولمَّاتُ المحبِّينَ تشعفُ
وقال جران العود وتروى للقحيف الخفاجي وللحكم الحضري:
بانَ الأنيسُ فما للقلبِ معقولُ ... ولا على الجيرةِ الغادِينَ تعويلُ
أيْما همُ فعداةٌ ما نكلِّمهمْ ... وهي الصَّديقُ بها وجدٌ وتخبيلُ
كأنَّني يومَ حثَّ الحاديان بها ... نحوَ الأواثةِ بالطَّاعونِ مثلولُ
يومَ ارتحلتُ برحلي قلَ برذَعتي ... والقلبُ مُستوهلٌ بالبينِ مشغولُ
ثمَّ اغترزتُ على نِضوي لأرفعهُ ... إثرَ الحمول الغوادي وهو معقولُ
فاستعجلتْ عبرةٌ شعواءٌ قحَّمها ... ماءٌ ومالَ بها في جفنها الجولُ
فقلتُ ما لحمولِ الحيِّ قدْ خفيتْ ... أكلَّ طرفيَ أمْ غالتهمُ غولُ
يخفونَ طوراً فأبكي ثمَّ يرفعهمْ ... ألُ الضُّحى والهبلاَّتُ المراسيلُ
تخْدي بهمْ رجفُ الألْحي مليَّنةٌ ... أظلالهنَّ لأيديهنَّ تنعيلُ
وللحداةِ على آثارهمْ زجلٌ ... وللسَّرابِ على الحزَّانِ تبغيلُ
حتَّى إذا حالتِ الشَّهلاءُ دونهمُ ... واستوقدَ الحرُّ قالوا قولةً قيلوا
واستقبلوا وادياً جريُ الحمامِ بهِ ... كأنَّهُ نوحُ أنباطٍ مثاكيلُ