وأسكتَ كلّ صوتٍ غيرَ ضربٍ ... وعترسةٍ ومرميٍّ ورامِ
وزعتُ رَعيلها بالرُّمحِ شزراً ... على ربذٍ كسِرحانِ الظَّلامِ
أكرُّ عليهمُ مهري كَليماً ... قلائدهُ سبائبُ كالقَرامِ
إذا شكَّتْ بنافذةٍ يداهُ ... تواردَها منازيعُ السِّهامِ
تقدَّمَ وهو مصطبرٌ مصرٌّ ... بقارحهِ على فاسِ اللِّجامِ
يقدِّمهُ فتًى من آلِ قيسٍ ... أبوهُ وأمُّهُ من آلِ حامِ
عجوزٌ من بني حامِ بنِ نوحٍ ... كأنَّ جبينَها حجرُ المقامِ
وقرنٍ قد تركتُ لدَى مكرٍّ ... صريعاً بينَ أصداءٍ وهامِ
تركتُ الطَّيرَ عاكفةً عليهِ ... كما تَردي إلى العرُساتِ آمِ
تبيتُ نساؤهُ عجُلاً عليهِ ... يراوحنَ التفجُّعَ بالنّدامِ
وقال عنترة في إغارته علي بني ضبَّة:
عَفا الرُّسومَ وباقيَ الأطلالِ ... ريحُ الصَّبا وتجرُّمُ الأحوالِ
لعبتْ بعافيها وأخلقَ رسمُها ... ووكيفُ كلِّ مجلجلٍ هطَّالِ
كانتْ بنو هندٍ فشطَّ مزارُها ... وتبدَّلتْ خيطاً من الآجالِ
فلئنْ صرمتِ الحبلَ يا ابنةَ مالكٍ ... وسمعتِ فيَّ مقالةَ العذَّالِ
فلعمرُ جدِّكِ إنَّني لمُشايعي ... لبِّي وإنِّي للملوكِ لقالي
وسَلي لكيما تُخبري بفعالِنا ... عندَ الوغى ومواقفِ الأهوالِ
والخيلُ تعثرُ بالقنا في جاحمٍ ... تهفُو بهِ ويجلنَ كلَّ مجالِ
وأنا المجرِّبُ في المواطنِ كلّها ... من آلِ عبسٍ منصبي وفعالي
منهمْ أبي حقّاً فهمْ لي والدٌ ... والأمُّ من حامٍ فهمْ أخوالي
وأنا المنيَّةُ حينَ تشتجرُ القنا ... والطّعنُ منِّي سابقُ الآجالِ
ولربَّ قرنٍ قدْ تركتُ مجدَّلاً ... بلبانهِ كنواضحِ الجريالِ
تنتابهُ طُلسُ السِّباعِ مُغادراً ... في قفرةٍ متمزِّقِ الأوصالِ
أوجَرتهُ لدنَ المهزَّةِ ذابلاً ... مرنتْ عليهِ أشاجِعي وخِصالي
ولربَّ خيلٍ قد وزعتُ رَعيلَها ... بأقبَّ لا ضغنٍ ولا مجفالِ
ومسربلٍ حلقَ الحديدِ مدجَّجٍ ... كاللَّيثِ بينَ عرينةِ الأشبالِ
غادرتهُ للجنبِ غيرَ موسَّدٍ ... متثنِّيَ الأوصالِ عندَ مجالِ
ولربَّ شربٍ قد صبحتُ مدامةً ... ليسوا بأنكاسٍ ولا أوغالِ
وكواعبٍ مثلَ الدُّمى أصبيتُها ... ينظرنَ في خفرٍ وحسنِ دلالِ
وسَلي بنا عكّاً وخثعمَ تُخبري ... وسَلي الملوكَ وطيِّئَ الأجيالِ
أو آلَ ضبَّةَ بالشِّباكِ إذ أسلمتْ ... بكرٌ حلائلَها ورهطَ عقالِ
وبني صباحٍ قد تركْنا منهمُ ... جزراً بذاتِ الرِّمثِ فوقَ أُثالِ
زيداً وسوداً والمقطّعَ أقصدتْ ... أرماحُنا ومجاشعَ بنَ حلالِ
رُعناهمُ بالخيلِ تردي بالقَنا ... وبكلُّ أبيضَ صارمٍ قصَّالِ
يومَ الشِّباكِ فأسلموا أبناءهمْ ... ونواعماً كالرَّبربِ الأطفالِ
منْ مثلِ قومي حينَ تختلفُ القنا ... وإذا تزولُ مقادمُ الأبطالِ
ففدًى لقومي عندَ كلِّ عظيمةٍ ... نفسي وراحلتي وسائرُ مالي
قوْمي الصِّمامُ لمنْ أرادُوا ضيمهمْ ... والقاهرونَ لكلِّ أغلبَ خالي
والمُطعمونَ وما عليهمْ نعمةٌ ... والأكرمونَ أباً ومحتدَ خالي
نحنُ الحصى عدداً وسطنا قومَنا ... ورجالُنا في الحربِ غيرُ رجالِ
منَّا المُعينُ على النَّدى بفعالهِ ... والبذلِ في اللّزباتِ بالأموالِ
إنَّا إذا حمسَ الوغى نروي القنا ... ونعفُّ عندَ مقاسمِ الأنفالِ
نأتي الصَّريخَ على جيادٍ ضمَّرٍ ... قبِّ البطونِ كأنَّهنَّ مغالِ
من كلِّ شوهاءِ اليدينِ طمرَّةٍ ... ومقلِّصٍ عبلِ الشَّوى ذيَّالِ
زايلوا لا تأسينَّ على خليطٍ زالوا ... بعدَ الأُلى قتلوا بذي أخْثالِ
كانوا يشبُّونَ الحروبَ إذا خبتْ ... قدُماً بكلِّ مهنَّدٍ قصَّالِ
وبكلِّ محبوكِ السَّراةِ مقلَّصٍ ... تنمي مناسبهُ لذي العقَّالِ
ومعاودِ التَّكرارِ طالَ مضيُّهُ ... طعناً بكلِّ مثقَّفٍ عسَّالِ
من كلِّ أروعَ للكماةِ منازلٍ ... ناجٍ منَ الغمراتِ كالرِّئبالِ