وأتلعُ نهَّاضٌ إذا عجستْ به ... مع الجريِ فيهِ عزَّةٌ وتطرُّقُ
أضرَّتْ بها الحاجاتُ حتَّى كأنَّما ... ألحَّ عليها جازرٌ متعرِّقُ
وكنتُ إذا رجِّيتُ أن تسقبَ النَّوى ... بها بعد نأيٍ والدِّيارُ تصفِّقُ
أحلَّتْ شهورُ الحرمِ بيني وبينها ... وجرِّعَ بالغيظِ الغيورُ المحنَّقُ
وبيضٍ رعابيبٍ تثنِّي خصورها ... إذا قمنَ أعجازٌ ثقالٌ وأسؤقُ
تنضَّيتُ من وجدٍ إليهنَّ بعدما ... كربنَ وأحشائي من الهولِ تخفقُ
بذي شطبٍ قد أخلصَ القينُ وشيهُ ... له حينَ تُغشيهِ الكريهةُ رونقُ
فمنهنَّ من غضَّ الأناملِ خشيةٍ ... ومنهنَّ لمّا أن رأتني تصفَّقُ
فأتبعتهمْ طرفي وقد زالَ رُكنهمْ ... وقد جعلَ الإنسانُ بالماءِ يغرقُ
ولولا جدالي ضقنَ ذرعاً بزائرٍ ... أتاهمْ به الحبُّ الذي ليسَ يمذقُ
ويومَ رثيماتٍ سما لكَ حبُّها ... ويومَ أخيٍّ كادتِ النَّفسُ تزهقُ
أنائلَ للودُّ الذي كان بيننا ... نضا مثلَ ما ينضو الخضابُ فيخلقُ
أنائلَ والله الذي أنا عبدهُ ... لقد جعلتْ نفسي من البينِ تُشفقُ
أنائلَ ما للعيشِ بعدكِ لذَّةٌ ... ولا مشربٌ إلاّ السِّمالُ المرنَّقُ
أنائلَ ما تنأينَ إلاّ كأنَّني ... بنجمِ الثُّريَّا ما نأيتِ معلَّقُ
أنائلَ ما رؤيا زعمتِ رأيتها ... لنا عجباً لو أنَّ رؤياكِ تصدقُ
أنائلَ إن الخيرَ يعتادُ ذا الهوى ... إذا النَّومُ أجلتهُ الهمومُ فيأرقُ
ومن يكُ ذاكمْ حظُّهُ من صديقهِ ... فيوشكُ باقي ودِّهِ يتمزَّقُ
وقال جميل أيضاً:
ألا ليتَ أيامَ الصَّفاءِ جديدُ ... ودهراً تولَّى يا بثينَ يعودُ
فنغنى كما كنَّا نكونُ وأنتمُ ... صديقٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ
وما أنس مِ الأشياءِ لا أنسَ قولها ... وقد قرَّبتْ نضوي أمصرَ تريدُ
ولا قولها لولا العيونُ التي ترى ... أتيتكَ فأعذرني فدتكَ جدودُ
خليليَّ ما أخفي من الوجدِ ظاهرٌ ... فدمعي بما أخفي الغداةَ شهيد
ألا قد أرى والله أن رُبَّ عبرةٍ ... إذا الدارُ شطَّتْ بيننا سترودُ
إذا قلتُ ما بي يا بثينةُ قاتلي ... من الوجدِ قالتْ ثابتٌ ويزيدُ
وإن قلتُ ردِّي بعضَ عقلي أعشْ به ... مع النَّاسِ قالتْ ذاكَ منكَ بعيدُ
إذا فكَّرتْ قالتْ قد أدركتُ ودّهُ ... وما ضرَّني بخلٌ ففيمَ أجودُ
فلا أنا مرجوعٌ بما جئتُ طالباً ... ولا حبُّها فيما يبيدُ يبيدُ
جزتكِ الجوازي يا بثينُ ملامةً ... إذا ما خليلٌ بانَ وهو حميدُ
وقلتُ لها بيني وبينك فاعلمي ... من الله ميثاقٌ لنا وعهودُ
وفدْ كان حبّيكمْ طريفاً وتالداً ... وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ
وإنَّ عروضَ الوصلِ بيني وبينها ... وإنْ سهَّلتهُ بالمنى لصعودُ
فأفنيتُ عيشي بانتظاري نوالها ... وأبلتْ بذاكَ الدَّهرَ وهو جديدُ
فليتَ وُشاةَ النَّاسِ بيني وبينها ... يذوفُ لهمْ سمّاً طماطمُ سودُ
وليتَ لهمْ في كلِّ ممسًى وشارقٍ ... تضاعفُ أكبالٌ لهمْ وقيودُ
ويحسبُ نسوانٌ من الجهلِ أنَّني ... إذا جئتُ إيّاهنَّ كنتُ أريدُ
فأقسمُ طرفَ العينِ أن يعرفَ الهوى ... وفي النَّفسِ بوْنٌ بينهنَّ بعيدُ
فأعرضنَ إنِّي عن هواكنَّ معرضٌ ... تماحلَ غيطانٌ بكنَّ وبيدُ
لكلِّ لقاءِ نلتقيهِ بشاشةٌ ... وكلُّ قتيلٍ عندهنَّ شهيدُ
علقتُ الهوى منها وليداً فلم يزلْ ... إلى اليومِ ينمي حبُّها ويزيدُ
يذكّرنيها كلُّ ريحٍ مريضةٍ ... لها بالتِّلاعِ القاوياتِ وئيدُ
ألا ليتَ شعري هلْ أبيتنَّ ليلةً ... بوادي القرى إنِّي إذن لسعيدُ
وهل ألقيَنْ سُعدى من الدَّهرِ مرَّةً ... وما رثَّ من حبلِ الصَّفاءِ جديدُ
وقد تلتقي الأهواءُ من بعدِ يأسةٍ ... وقد تطلبُ الحاجاتُ وهي بعيدُ
وهل أزجرنْ حرفاً علاةً شملَّةً ... بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ
على ظهرِ مرهوبٍ كأنَّ نسورهُ ... إذا جارَ هلاَّكُ الطَّريقِ وفودُ