الوصف الرابع الذي تحصل به النجاة: قوله: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر، وأي أنواع الصبر؟ أنواع الصبر كلها، والتي هي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله تعالى، وهذا الأمر في هذه الآية (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) داخل في الذي قبله، فإن التواصي بالصبر من التواصي بالحق، وخصه بالذكر لأهميته وعظم أثره في تحقيق النجاة والسلامة من الخسارة، وإن كان داخلاً مندرجاً فيما تقدم من العمل الصالح والتواصي بالحق، وبقدر ما يتصف الإنسان بما ذكر من الأوصاف في هذه السورة يحصل له بقدر ذلك من النجاة، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر، وإذا علم العبد المؤمن ذلك حرص أن يستكثر من هذه الصفات وأن يزداد منها؛ لأنه بها يحصل له الفوز والسلامة من الخسارة المذكورة في قوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ، وهذه الآية واضحة الدلالة على ما تقدم من وجوب تعلم هذه المسائل، ووجه ذلك أن إنجاء النفس من الخسار واجب، وقد بين الله سبحانه وتعالى طريق ذلك، وهو ما تضمنه الاستثناء في قوله:{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ، فدل ذلك على وجوب تَعَلُّم هذه المسائل الأربع التي يتحقق بها للمرء السلامة في الدنيا والآخرة.
قال الشافعي رحمه الله:(لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلا هذه السورة لكفتهم) ، وهذا لا يعني أن ما زاد على هذه السورة لا حاجة إليه، وإنما مراد الشافعي أن هذه السورة كافية شافية في بيان طريق النجاة، وإلا فأهل الإسلام بحاجةٍ إلى كل حرف نزل في كتاب الله عز وجل، ليس لهم عنه غنية ولا بهم عنه كفاية، بل هم محتاجون إلى كل حرفٍ في كتاب الله عز وجل، ولذلك كان من أعظم ما أصيبت به الأمة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم هو انقطاع الوحي عن نبي الأمة، فمراد الشافعي رحمه الله بقوله:(لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلا هذه السورة لكفتهم) في بيان طريق النجاة والسلامة من الخسارة التي اتصف بها الإنسان.