قال رحمه الله تعالى:[وأعظم ما أمر الله به التوحيد] ، ويدل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى افتتح أول سورةٍ في كتابه بإثبات الإلهية في قوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:٢] .
فذكر هذا الاسم في أول ذكرٍ له في كتابه جل وعلا -في أم الكتاب- دليل على أنه هو المقصود، وكذلك مما يدل على أن أعظم ما أمر الله به التوحيد: أنه أول أمر في كتاب الله عز وجل؛ فإن أول الأوامر في كتاب الله عز وجل هو قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:٢١] ، والعبادة لا يمكن أن تثبت، ولا يمكن أن يتصف بها الإنسان إلا إذا حقق التوحيد.
ودلائل كون أعظم ما جاءت به الرسل هو التوحيد كثيرة، وليس المقام مقام عدها وذكرها إنما يكفي ما ذُكر.
قال رحمه الله تعالى:[وهو إفراد الله بالعبادة] .
هذا بيان للتوحيد، وهو بيان لأشرف أنواعه وأعلاه، وهو توحيد الإلهية، وهو الذي وقعت فيه الخصومة بين الرسل وأقوامهم، ولهذا فسر التوحيد بهذا ولم يفسره بتوحيد الربوبية، ولا بتوحيد الأسماء والصفات، إذاً: قوله رحمه الله: [وهو إفراد الله بالعبادة] تفسير وبيان لتوحيد الإلهية، ولم يفسر توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية؛ لأن هذا هو الذي وقعت الخصومة فيه بين الرسل وأقوامهم، ولأنه أعظم أنواع التوحيد، ولأن من حققه فقد حقق توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، فتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات طريق وسبيل لتحقيق توحيد الإلهية، ولذلك استدل الله جل وعلا في كتابه على وجوب إفراده بالعبادة بأسمائه وصفاته، وبأنه سبحانه وتعالى الخالق المالك الرازق المدبر.
وقوله رحمه الله:[إفراد الله بالعبادة] العبادة هنا تشمل كل ما أمر الله به ورسوله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فكل عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، فكما أنه لا يجوز لك أن تصلي لغير الله فكذلك لا يجوز أن تذبح لغير الله؛ لأن الذبح عبادة، ولا يجوز أن تعتمد في جلب رزقك على غير الله عز وجلَّ، ولا أن تتوكل على غيره، بل يجب إفراده سبحانه وتعالى بأعمال القلوب والجوارح.