[مرتبة الإحسان والأدلة الواردة فيها]
بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: [المرتبة الثالثة: الإحسان، ركن واحد وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨] ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:٢١٧-٢٢٠] وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:٦١] .
وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ منا أحد، حتى جلس إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد ألا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
فقال: صدقت.
فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرني عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
قال: صدقت.
قال: فأخبرني عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ.
قَالَ: فَمَضَى، فَلَبِثْنَا مَلِيَّا، فَقَالَ: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يعلمكم أمر دينكم) ] .
هذه المرتبة الثالثة من مراتب الدين، قال رحمه الله في بيانها: [الإحسان ركن واحد] ، وكما بينّا في الإيمان نقول هنا: إن الإحسان الذي بينه حديث جبريل، والذي يتكلم عنه الشيخ رحمه الله هنا هو المضمون المقترن بالإيمان والإسلام، فتنبه لهذا، فليس التعريف هنا للإحسان على وجه الإطلاق، بل الإحسان الذي يقترن بالإيمان والإسلام، ودليل هذا لو أن شخصاً أقر بالأركان الستة في أركان الإيمان لكنه لم يصلِ ولم يحج، ولم يقر بوجوب هذه الأشياء، فإنه لا يكون مؤمناً بإجماع أهل العلم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، وكذلك من أتى بالشهادتين وأتى بالصلاة والزكاة والصيام والحج ولكنه لم يؤمن بالأركان الستة للإيمان المذكورة في الآية والحديث.
ولا يكون من هذا حاله مسلماً بإجماع أهل العلم، فتنبه لهذا.
وإنما كررته لأهميته.