الجمع بين قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا تَنْقَطِعُ الهجرة حتى تنقطع التوبة) وحديث: (لا هجرة بعد الفتح، وإنما جهاد ونية)
قال: [وَالدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشمس من مغربها)) ] ، وعند ذلك:{لَاْ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}[الأنعام:١٥٨] ، وهذا دليل على استمرار الهجرة.
وهذا الحديث كيف يتفق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين:(لا هجرة بعد الفتح، وإنما جهاد ونيّة) ، أو:(ولكن جهاد ونيّة) ؟ والجواب: يتفق معه أن الهجرة المنفية في حديث الصحيحين هي الهجرة المعهودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، وهي الهجرة من مكة إلى المدينة، وذلك أنه بالفتح تحولت مكة من كونها دار كفرٍ إلى دار إسلام، ولما صارت دار إسلام انتهى وجوب الهجرة أو استحبابها منها، وكذلك بقية الجهات في الجزيرة سلّمت بعد الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم، وأتت الوفود إليه صلى الله عليه وسلم مقرين بدعوته مستسلمين له صلى الله عليه وسلم، فقال:(لا هجرة بعد الفتح) ، وأما الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فهي مستمرة؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تطلع الشمس من مغربها) ، وللعموم في قوله:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}[العنكبوت:٥٦] ، وكذلك العموم في آيات سورة النساء.