بعد أن ذكر الآيات الدالة على ربوبية الله عز وجل انتقل ليبين وجوب إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وأن الرب هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فقال: [والدليل على ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٢٠-٢١] ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الخَالِقُ لِهَذِهِ الأَشْيَاءَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ للعبادة] .
وهذا وجه ذكر هذه الأشياء بعد الأمر بالعبادة، فكأنه يقول: إن المستحق للعبادة هو الموصوف بهذه الصفات، وهو المدبر الخالق المالك، وهذا استدلال بتوحيد الربوبية على وجوب إفراد الله بالعبادة، وهو توحيد الإلهية.
واعلم: أن هذا أول أمر في كتاب الله عز وجل، فأول الأوامر في كتاب الله تعالى أمر الله تعالى عباده بإفراده بالعبادة في قوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:٢١] أي: لتحصل لكم التقوى، والتقوى هنا من عذاب الله وسخطه، ولأن العبادة هي سبب زيادة التقوى وقرارها في قلب العبد، ولذلك لم يذكر ما يتقى ليشمل الجميع، فقوله:(تَتَّقُونَ) لم يذكر فيه المعمول -معمول التقوى- هنا، وفائدة هذا هي التعميم.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.