الثاني: قال رحمه الله: [ومن عُبد وهو راضٍ] ، فكل من صرفت له العبادة بطلب منه أو بغير طلب منه وهو راضٍ عن هذه العبادة فإنه طاغوت؛ لأنه مما يحصل به التجاوز، وذلك أن العبد لا يصلح أن يكون رباً، ولا يصلح أن تصرف إليه أنواع العبادة، فمن صرف إلى غير الله عز وجل شيئاً من العبادة فقد تجاوز به الحد وطغى فيه، فلذلك كان طاغوتاً، ودليل ذلك قوله تعالى:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}[المائدة:٦٠] ، وقوله:{وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} معطوف على {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ} ، وليس معطوفاً على {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} فتنبه.
فهؤلاء وصفهم الله عز وجل بأنهم عبدوا الطاغوت، وكذلك في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}[النساء:٥١] ، فهؤلاء زكوا عبادة المشركين، فكل من عُبد من دون الله وهو راضٍ بهذه العبادة فإنه طاغوت، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة في نبأ المحشر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ينادي منادٍ يوم القيامة: ألا ليتبع كل أحد ما كان يعبد في الدنيا) ثم قال: (فيتبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت) ، وهذا يشمل كل معبود من دون الله، فكل من عبد من دون الله وهو راضٍ فإنه طاغوت بنص الكتاب والسنة، ومن حيث المعنى موافق ومطابق؛ لأنه تجاوز بالعبد عن حده، وعن قدره الذي يناسبه.