الرابع من الطواغيت: قال رحمه الله: [من ادعى شيئاً من علم الغيب] .
علم الغيب هو: ما استأثر الله سبحانه وتعالى به دون خلقه من العلم وهو نوعان: غيب مطلق، وغيب نسبي فالغيب المطلق لا يعلمه أحد إلا الله، ومفاتحه خمسة، وهي في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ٌ}[لقمان:٣٤] ، فهذه هي مفاتح الغيب كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى علم شيء من هذه الأمور فإنه كافر بالقرآن العظيم؛ لأن الله عز وجل قال:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[النمل:٦٥] ومعنى قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي: لا يعلمون متى يبعثون، وكذلك قال سبحانه وتعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}[الجن:٢٦-٢٧] ، فعلمه سبحانه وتعالى بالغيب المطلق مما اختص به هو جل وعلا دون غيره، أما الغيب النسبي فهذا كثير، وقد يعلمه بعض الناس؛ إذ كل ما غاب عنا مما علمه غيرنا فهو غيب بالنسبة لنا، وعلم بالنسبة لمن علمه، فالغيب النسبي هو بالنسبة إلى أشخاص دون أشخاص، وإلى أناسٍ دون أناس، فمن ادعى علم شيءٍ من ذلك فإن كان تحصيله بأسبابٍ معلومةٍ كأن يسأل ويتوصل فهذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال في ادعاء علم الغيب المطلق الذي فيه الإخبار عن المستقبل.
يقول المؤلف رحمه الله:[ومن ادعى شيئاً من علم الغيب] .
هذا هو رابع رءوس الطواغيت؛ لأن هذا طغى وتجاوز حده، والله سبحانه وتعالى قد أعلمنا وأخبرنا في كتابه أنه لا يعلم الغيب إلاّ هو جل وعلا، فكل من ادعى علم الغيب فقد تجاوز حده وطغى، فهو طاغوت، هذا من حيث المعنى، أما من حيث النقل فقد فسر جماعة من السلف -منهم سعيد بن جبير وأبو العالية - الطاغوت في قوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}[النساء:٦٠] بالكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيّبات في المستقبل، فعلى هذا يكون كل من أخبر عن المغيبات في المستقبل طاغوتاً بتفسير السلف.