ثم بعد أن ذكر البيان المجمل لهذا الدين أراد ذكره على وجه التفصيل، فقال رحمه الله:[وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان] ، وبه نعرف أن التعريف السابق يشمل جميع هذه المراتب، فالإسلام الذي تقدم تعريفه هو الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم المتضمن لجميع ما أمر به ونهى عنه ودعا إليه، وهذا الذي أمر به أو نهى عنه أو دعا إليه يندرج تحت ثلاثة أمور، وهي المراتب التي أشار إليها بقوله:[وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان] ، فهذه هي مراتب الدين، والدليل على هذه المراتب الثلاث، وأنها تشمل الدين، ويندرج تحتها جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حديث جبريل؛ فإنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث:(هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) ، وفي رواية:(أمر دينكم) ، فجعل ما تقدم ذكره من بيان الإسلام والإيمان والإحسان تعليماً لأمر الدين، ولذلك كان هذا الحديث أصل الدين الذي يجب على كل أحد، فمن أنكر شيئاً مما تضمنه هذا الحديث في الإسلام والإيمان والإحسان فإنه لم يقر بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم تثبت قدمه في دين الإسلام، وهذه المراتب الثلاث يدخل بعضها في بعض، فالإسلام أوسعها دائرة، فهو ينتظم الإيمان والإحسان، وأخص منه الإيمان، وأخص منه الإحسان، وسيأتي تفصيلها في كلام المؤلف رحمه الله.
ودليل هذه المراتب من كتاب الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}[فاطر:٣٢] ، فهذه المراتب الثلاث تقابل المراتب المذكورة في كلام الشيخ رحمه الله، وهي المضمنة في حديث جبريل.
واعلم أن هذه الأسماء الثلاثة إذا افترقت دل كل واحد منها على مضمون الآخر، وإذا اجتمعت كما هو الحال في حديث جبريل اختص كل اسمٍ بمعنى مستقل، والجامع لهذه المعاني أن الإسلام يتعلق بالعمل الظاهر, والإيمان يتعلق بعمل القلب، والإحسان هو الغاية في عمل القلب وعمل الظاهر، فالإحسان هو المنتهى في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فمن حقق الإحسان يكون قد حقق الإيمان والإسلام، ومن حقق الإيمان فإنه قد حقق الإسلام، ومن أتى بالإسلام لا يكون قد حصل على مرتبة الإيمان ولا الإحسان، والدليل على ذلك قوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات:١٤] ، فدل ذلك على أن المتصف بالإسلام قد لا يتحقق به وصف الإيمان.
فنبدأ في بيان ما ذكره المؤلف رحمه الله في كل مرتبة.