[الكفر بالطاغوت من معاني (لا إله إلا الله)]
ثم قال رحمه الله: [وهذا معنى (لا إله إلاّ الله) ] المشار إليه هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
وقوله: [هذا معنى (لا إله إلاّ الله) ] كيف يكون هذا معنى (لا إله إلاّ الله) ؟ والجواب: قوله: (لا إله) هذا هو الكفر بالطاغوت؛ لأنه ينفي العبادة عن كل معبود، وقوله: (إلاّ الله) إثبات لجميع أنواع العبادة لله وحده، وهذا هو الإيمان بالله عز وجل، إذاً: قوله: [معنى: (لا إله إلاّ الله) ] أي: ما تضمنته هذه الآية من حصول الإيمان، وذلك من ترتيب الاستمساك بالعروة الوثقى على هذين الأمرين: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.
ثم قال رحمه الله في ختام هذه الرسالة المباركة: [وَفِي الْحَدِيثِ: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامِ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله] .
وهل هذا الحديث دليل للمسألة السابقة أم لا؟ الحقيقة أن بعض الشرّاح قال: إنه دليل على الإيمان بالله والكفر بالطاغوت وبعضهم قال: إنما أراد المؤلف رحمه الله ختم الرسالة بهذا الحديث؛ لما تضمنه من المعاني العظيمة التي هي بيان رأس الأمر، وبيان ما يقوم به، وبيان ما يبلغ به الغاية.
وعندي أن هذا دليل وبراعة اختتام.
أما الدليل ففي قوله: (رأس الأمر الإسلام) ، والأمر هنا المراد به الدين يعني: رأس الدين الإسلام، والمراد بالإسلام هنا الشهادتان؛ ولذلك جاء في روايةٍ لهذا الحديث: (رأس الأمر شهادة ألا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) ، فالإسلام المراد به هنا الشهادتان، وهو الاستسلام لله عز وجل بالعبودية، أي: إفراد الله جل وعلا بالعبادة وحده دون غيره، وعلى هذا يكون فيه دليل على ما تقدم؛ لأن شهادة ألا إله إلاّ الله هي الإيمان بالله تعالى والكفر بالطاغوت، فيكون فيها دليل لما ذكره رحمه الله في قوله: [افترض اللهُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ وَالإِيمَانَ بالله] .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (وعموده الصلاة) فهذا فيه بيان مرتبة الصلاة في هذا الدين، وأنها من هذا الدين كالعمود للخيمة، وليس للخيمة قيام بلا عمود، بل لا قيام للفسطاط إلاّ بعمود، فمن لا صلاة له لا إسلام له، هكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وورد مثل ذلك عن علي بن أبي طالب: (لا حظّ في الإسلام لمن لا صلاة له) ، وكل هذا مما ورد عن الصحابة.
وقال عبد الله بن شقيق رحمه الله -وهو من التابعين-: (لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلاّ الصلاة) ، فالصلاة شأنها كبير، وأمرها خطير، ويكفي في هذا الوصف قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وعموده الصلاة) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (من أراد أن يعرف قدر الإسلام في قلبه فلينظر إلى قدر الصلاة في قلبه) ، فبقدر ما يكون مع الإنسان من تعظيم الصلاة والاهتمام بها والعناية بها والإقبال عليها والتبكير إليها وتعلق القلب بها يكون معه بقدر ذلك من الإسلام، ولذلك كان أول ما يسأل عنه الناس من الأعمال بعد التوحيد مما يتعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى الصلاة، فهي أول مسئول عنه، ولذلك ينبغي للإنسان أن يعتني بهذه العبادة الجليلة، وأن يهتم بها، وأن تكون منه على البال دائماً، فهذا هو المعيار والميزان الدقيق، فإذا أردت أن تعرف قدر الإسلام في قلبك فانظر إلى قدر الصلاة في قلبك، وهذا القول عن الإمام أحمد ذُكر في كتاب (تعظيم قدر الصلاة) .
وأما قوله: (وذروة سنامه الجهاد) فذروة الشيء أعلاه، والمراد أعلى شيءٍ في الإسلام هو الجهاد في سبيل الله يعني: الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى واعلم أن الجهاد والصلاة هما العبادتان اللتان تكرر الأمر بهما والثناء على أهلهما في الكتاب والسنة، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: (لم يرد من الأحاديث قدر ما ورد في الصلاة والجهاد حثاً وأمراً وفضلاً) ، وهذا يجعل الإنسان يحرص على أن يكون نصيبه وافراً في الأمرين.