قال رحمه الله:[وأعظم ما نهى عنه الشرك] ، ثم بيَّن ما هو الشرك فقال:[وهو دعوة غيره معه] ، وعبر بالدعوة ليشمل نوعي الدعاء: دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فمن قال: يا رسول الله! أغثني، أو يا علي! أنقذني، أو يا فلان! ارزقني، فهذا يكون قد أشرك في دعاء المسألة، فسأل وطلب غير الله عز وجل، ومن ذبح لغير الله أشرك بدعائه غير الله، ولكن الدعاء هنا دعاء عبادة، وذلك أن كل من صلى وصام وحج وتصدق وذبح لله سبحانه وتعالى لا يريد بهذه الأفعال إلا الجنة، فهو في حقيقته داعٍ وسائل، يسأل الله عز وجل أن يقبل منه العمل، وأن يجعله من الناجين بهذه الأعمال، فكل عمل هو من دعاء العبادة، فقول المؤلف رحمه الله:[وهو دعوة غيره] يشمل صرف كل نوع من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى من الأعمال الظاهرة والباطنة.
ثم قال رحمه الله: [وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[النساء:٣٦]] .
قوله تعالى:(اعْبُدُوا اللَّهَ) فيه أمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والعبادة هنا تشمل كل ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، وقوله:{وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} يتضمن النهي عن كل صرفٍ عبادة لغير الله عز وجل كائناً من كان، ويشمل النهي عن الشرك الأصغر والأكبر، فيشمل النهي عن الحلف بغير الله، كما يشمل النهي عن السجود لغير الله، وكذلك يشمل النهي عن النذر لغير الله، والذبح لغير الله، وسؤال المقبورين ودعائهم، كل هذا داخل في قوله:{وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} ، وهذا أمر واضح جلي، ولكن الإشكال كل الإشكال فيمن يقرأ هذه الآيات الواضحات في كتاب الله عز وجل ثم يجيز سؤال المقبورين والتوجه إليهم بقضاء الحوائج والذبح لهم والنذر لهم، وغير ذلك من العبادات التي تصرف لغير الله في كثير من البلاد، نسأل الله عز وجل أن يعيذنا وإياكم من الشرك دقيقه وجليله.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.