قال رحمه الله بعد أن بين الأصول الثلاثة وبدأ بها واحداً واحداً:[فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ] ، ودليل هذا الآيات الكثيرة في كتاب الله عز وجل التي تثبت ربوبية الله سبحانه وتعالى لجميع الخلق، فهو الرب سبحانه وتعالى.
ومعنى قوله:(رباني وربى جميع العالمين بنعمه) أي: أصلحني وأمدني وهيأ لي، فالرب يطلق في لسان العرب على المالك، وعلى السيد، وعلى من يقوم بالأمر، وعلى المصلح، كل هذه المعاني من معاني الرب، فربوبية الله سبحانه وتعالى لجميع الخلق هي قيامه سبحانه وتعالى بشئونهم، وتدبيره سبحانه وتعالى لأمر خلقه، فهو القائم على كل نفسٍ بما كسبت، لا غنى لأحد عن فضله، بل كل مخلوق تام الفقر إلى الله سبحانه وتعالى، فقراً ذاتيًّا لازماً، لا يستطيع الانفكاك عنه، ولا الخلاص منه.
وقوله:(جميع العالمين) لبيان أن ربوبيته سبحانه وتعالى لا تختص بصنفٍ من الخلق، بل جميع الخلق مربوبٌ لله سبحانه وتعالى، علويه وسفليه، كل ذلك مربوبٌ له سبحانه وتعالى، لا يخرج عن رزقه ولا عن ملكه ولا عن تدبيره وتصريفه، ولا عن خلقه سبحانه وتعالى.
قال:(وهو معبودي) ، فبعد أن أثبت الربوبية العامة لكل مخلوق ولكل ما سوى الله سبحانه وتعالى ولجميع العالم، أثبت حق هذه الربوبية، وهو عبادته سبحانه وتعالى، فقال:(وهو معبودي) يعني: وهو الذي أتقرّب إليه بالعبادة، وسيأتي بيان العبادة التي هي حقه سبحانه وتعالى.
قال:(ليس لي معبود سواه) ، وهذا تأكيد على ما دلت عليه الجملة السابقة من إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، فقوله:(وهو معبودي) ، يفيد الحصر لأن الجملة المعرّفَةَ الطرفين من أساليب الحصر في لغة العرب، فهو تعالى المعبود المستحق للعبادة، وأكد ذلك بقوله:(ليس لي معبود سواه) ، والدليل على ما تقدم من أنه سبحانه وتعالى هو الرب الذي ربى جميع العالمين وهو المعبود الذي لا يستحق العبادة سواه؛ قول الله سبحانه وتعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: ٢] .
فقوله:((لِلَّهِ)) فيه الإثبات بأنه المعبود وحده لا شريك له، ففيه إثبات الإلهية له دون غيره، وقوله:(رَبِّ الْعَالَمِينَ) فيه إثبات ربوبيته سبحانه وتعالى، وإضافة الربوبية للعالمين هنا هي الربوبية العامة التي يندرج تحتها كل أحد.