هذا واضح لمن عرف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الأمر بهذه الأشياء كان بعد الهجرة إلى المدينة، ولكن ينبغي أن يفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تنقطع دعوته إلى التوحيد إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان يدعو إلى التوحيد وهو في الرمق الأخير صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أنه لعن اليهود والنصارى قبل وفاته بليالٍ، وقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ، وكثيرٌ مما كان يأمر به صلى الله عليه وسلم من أمور التوحيد حصل في المدينة، لاسيما في مكملات التوحيد، مع استمرار دعوته إلى التوحيد فيها، أعني إلى أصل التوحيد وإلى إخلاص العبادة لله عز وجل، ولكن أتى الأمر بالشرائع في المدينة؛ لأن الذين سلموا له بالتوحيد احتاجوا إلى تكميله بالعمل الصالح، فدعاهم إلى ما أمره الله عز وجل أن يدعوهم إليه من شرائع الإسلام.
ثم قال:[وَتُوُفِّيَ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَدِينُهُ باقٍ] ، وهذا فيه الإشارة إلى أن بقاء الدين ليس مرتبطاً بحياته صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم توفي، وهذا أمر مجمع عليه، ودل عليه الكتاب والسنة كما سيأتي بيانه بالأدلة التي ذكرها وبينها الشيخ رحمه الله، وهذا خلافاً لما يزعمه غلاة الصوفية الذين يقولون: إنه لم يمت صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب وافتراء، وتكذيب لما ثبت ثبوتاً قطعياً في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمعت عليه الأمة، وبقاء الدين لا إشكال فيه، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩] ، وحفظه بحفظ أهله؛ فإن الله عز وجل تعهد بحفظ هذا الدين، ولا يمكن حفظ الدين إلاّ بحفظ أهله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة) ، أو (حتى يأتي أمر الله) .