إذا الملك الجبار صعر خدّه ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
وكنّا إذا دبّ العدوّ لسخطنا ... وراقبنا في ظاهر لا نراقبه
غدونا له جهراً بكلّ مثقف ... وأبيض تستسقي الدماء مضاربه
كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه
وأرعن يعشى الشمس لون حديده ... وتخلس أبصار الكماة كتائبه
تغص به الأرض الفضاء إذا غدا ... تزاحم أركان الجبال مناكبه
تركنا به كلبا وقحطان تبتغي ... مجيراً من الهبل المطلّ مغالبه
وكان بشار يعد في الخطباء والبلغاء. ولا أعرف أحداً من أهل العلم والفهم دفع فضله ولا رغب عن شعره. وكان شعره أنقى من الراحة، وأصفى من الزجاجة وأسلس على اللسان من الماء العذب. ومما يستحسن من شعره - وإن كان كله حسناً - قوله:
أمن تجنّي حبيب راح غضبانا ... أصبحت في سكرات الموت سكرانا
لا تعرف النوم، من شوق إلى شجن ... كأنما لا ترى للناس أشجانا
أود من لم ينلني من مودته ... إلا سلاماً يردّ القلب حيرانا
يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا