للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن المكارم لم تزل معقولة ... حتى حللت براحتيك عقالها

وكان العباس بخيلاً. فبعث إليه بدينارين - وكان أمل أن يأخذ منه ألفين - فلما وصل إليه ذلك كاد يجن: واغتاظ غيظاً شديداً، وقال للرسول: خذ الدينارين فقد وهبتهما لك، على أن تحمل رقعتي إليه، فتجعلها في دواته من حيث لا يعلم ذلك. فقال له: أفعل. فأخذ الرقعة وكتب فيها:

مدحتك مدحة السيف المحلى ... لتجري في الكرام كما جريت

فهبها مدحة ذهبت ضياعاً ... كذبت عليك فيها واعتديت

ففعل الرسول ذلك، فلما وقف العباس على البيتين غضب، وقام من وقته إلى الرشيد فدخل عليه، وكان عم أبيه، وقد كان هم الرشيد أن يتزوج ابنته، وكان له مكرماً مبجلاً، فرأى الرشيد التغير في وجهه فقال: يا عم، ما شأنك؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا ربيعة الرقي قد هجاني. فقال الرشيد: ويلي على ابن اللخناء، يهجو عمي وأعز الناس عليّ؟ وأمر بإحضاره، فأحضر والرشيد يتميز غيظاً عليه، فقال له: يا ابن اللخناء أعليّ تجترئ؟ لقد كان إذن ضرب عنقك. فقال: يا أمير المؤمنين اسمع قصتي معه، فإن وجدت عذراً، وإلا فافعل ما هممت به وأنت من دمي في حل وسعة، ثم أنشده مدحته فيه وقال: يا أمير المؤمنين كيف تراها؟ قال: ما مدح الخلفاء بمثلها حسناً. فقال: يا أمير المؤمنين إنه وصلني عنها بدينارين، فوهبتهما لرسوله وكتبت إليه البيتين. فلما سمع الرشيد ذلك خجل وأطرق، وأحب أن يتأمل القصيدة فقال: ائتني بها. فاستحى العباس وعلم أنه أخطأ،

<<  <   >  >>