للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يفارقه، حتى ليسأله كثيراً أن يأذن له في الإلمام بأهله والخروج إلى وطنه، فلا يجيبه إلى ذلك، وكان يعطيه الجزيل حتى كثرت أمواله، فلما مات طاهر ظن أنه قد تخلص، وأنه يلحق بأهله، ويتمتع بما قد اقتناه ببلده. فلوى عبد الله بن طاهر عليه يده، وتمسك به، وأنزله فوق منزله التي كانت من أبيه - وكان من آدب الناس وأعلمهم بأيام العرب وأجودهم قولاً للشعر - فعاد معه عوف إلى حاله التي كان عليها مع أبيه من الملازمة في الحضر والسفر، واجتهد في التخلص فلم يقدر على ذلك، حتى خروج عبد الله بن طاهر من العراق يريد خراسان، وعوف عديله في قبة يسامره ويحادثه. فلما شارفوا الري، وقد أدلجوا سحرة، إذا بقمري يغرد على سروة. بأشجى صوت وأرق نغمة، فالتفت عبد الله إلى عوف فقال: يا أبا ملحم، أما تسمع هذا الصوت؟ ما أرقه وأشجاه! قاتل الله أبا كبير الهذلي حيث يقول:

ألا يا حمام الأيك فرخك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح

قال عوف: أحسن والله أبو كبير وأجاد أيها الأمير. كان في هذيل أربعون شاعراً مذكوراً محسناً سواء المتوسطين، وكان أبو كبير، من أظهرهم وأقدرهم على القول.

قال عبد الله: عزمت عليك إلا أجزت هذا البيت. قال عوف: أصلح الله الأمير، شيخ مسن وأحمل على البديهة، وعلى معارضة مثل أبي كبير، وهو من قد علمت؟ قال عبد الله: عزمت عليك وسألتك بحق طاهر إلا

<<  <   >  >>