وحدثني المبرد قال: حدثني محمد بن البصري قال: كان أبو العتاهية، لسهولة شعره وجودة طبعه فيه، ربما قال شعراً موزوناً ليس من الأعاريض المعروفة، وكان يلعب بالشعر لعباً، ويأخذ كيف شاء.
وحدثني إبراهيم بن العباس الكاتب عن أبيه قال: قال أبو العتاهية: قال لي المأمون: أنت أشعر أم أبو نواس؟ فقلت: أنا من قد علمت يا أمير المؤمنين، ولوددت أن أبيات أبي نواس لي فأستعلي بها على شعراء أهل الأرض، قال: وما هي؟ قلت قوله:
ومستبعد إخوانه بثرائه ... لبست له كبر أبر على الكبر
متى ضمني يوماً وإياه مجلس ... رأى جانبي وعراً يزيد على الوعر
وقد زادني تيهاً على الناس أنني ... أراني أغناهم وإن كنت ذا فقر
قال المأمون: أحسن الرجل أحسن.
وحدثني المعروسي الكوفي قال: حدثني محمد بن زياد - كان يروي لأبي العتاهية شعراً كثيراً قال: جلس أبو العتاهية يوماً إلى قصار فسمع صوت الكدين فقال باقتداره شعراً على إيقاعه، منه هذا البيت:
المنون مفنيات ... واحداً فواحدا
كأنه نظر إلى القصار أخذ ثوباً بعد ثوب، فشبهه بأخذ الموت إنساناً بعد إنسان، وأخذ الوزن من وقع الكدين.
ومما سار له قوله:
بسطت كفي نحوكم سائلاً ... ماذا تردون على السائل
إن لم تنيلوه فقولوا له ... قولاً جميلاً بدل النائل