يجل العتابي ويعظمه لقناعته وديانته، ولعلمه مع ذلك وسعة أدبه - فسلم عليه فرأى به العتابي كآبة. فقال له النمري إني مغتم بامرأتي فلانة، فإنها تمخض منذ ثلاث وقد عسرت عليها ولادتها، فقال له العتابي: ويحك، فأين تركت الحزم ودواؤها عندك؟ قال: وما هو؟ فقال: تكتب على متاعها: الرشيد، حتى تسهل ولادتها فإنما عسر الولادة من ضيق المسلك. وإذا كتبت الرشيد على فرجها اتسع. فغضب النمري واختلط. وقال ويحك، أشكو إليك مثل هذا الأمر أفتستقبلني بمثل هذا، وتستخف باسم أمير المؤمنين وذكره؟ فقال العتابي: فلا تغضبن فأنت علمتنا هذا. ألست القائل في الرشيد في قصيدتك العينية:
إن أخلف القطر لم تخلف مخايله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
- وهذه القصيدة عجيبة في المدح فصيحة، وتشبيبها في الشيب لم يقل مثله أحد - فاستحكم غضب النمري وغيظه عليه، ومر من وجهه ذلك إلى الرشيد فأعلمه، وحكى لفظه، ففار كما يفور المرجل غيظاً عليه، وحلف ليقتلنه. وكان جعفر بن يحيى يستخص العتابي ويقربه ويعاشره، فما زال بالرشيد حتى عفا عنه، ورضي وسكنت نفسه. وسكت العتابي على هذه مدة، حتى تمكن من الرشيد بعلمه وغزارة أدبه، فإنه كان بحراً لا ينزف، وحضر مجلسه ليلة يسامره، والنمري غائب بالرقة، فتحدث عنه طويلاً وأجرى الحديث إلى ذِكر الروافض محمداً، ثم أنشده القصيدة التي للنمري وأولها: