الجياد التي ليس لأحد مثلها، وكان يصله بالصلات الجزيلة، وكان النمري يدين بالإمامة سراً، ويمدح آل الرسول، ويعرض في شعره بالسلف، والرشيد لا يعلم ذلك حتى كثر، وكان ذلك اليوم - ثم أقبل العتابي يحضه، ويذكر مذهبه، وينشد شعره في الطالبيين شيئاً بعد شيءٍ، فدعا الرشيد بأبي عصمة الشيعي وهو من الزيدية في شيعة بني العباس. فقال له: اخرج من ساعتك هذه إلى الرقة، فخذ منصوراً النمري، فسل لسانه من قفاه، واقطع يده ورجله، ثم اضرب عنقه، واحمل إلى رأسه، واصلب هناك بدنه. فخرج أبو عصمة لذلك، فلما صار بباب الرقة، وهو يدخل المدينة، إذا هو بجنازة النمري قد استقبلته فانكفأ راجعاً إلى الرشيد فاعلمه. فقال له: فألا إذ صادفته ميتاً أحرقته بالنار؟ وهو القائل بقصيدته التي يمدح فيها الرشيد:
يا بن الأئمة من بعد النبي ويا أب ... ن الأوصياء أقر الناس أم دفعوا
لولا عدي وتيم لم تكن وصلت ... إلى أمية تمريها وترتضعُ
إن الخلافة كانت إرث والدكم ... من دون تيم وعفو الله متسع
وما لآل علي في إمارتكم ... حق وما لهم في إرثكم طمع
يا أيها الناس لا تغرب عقولكم ... ولا تضفكم إلى أكنافها البدع
العم أولى من ابن العم فاستمعوا ... قول النصيح فإن الحق يستمع
وقد أقام القيامة في تشبيب هذه القصيدة بالشباب فالتشبيب منها:
أودى الشباب وفاتتني بشرته ... صروف دهر وأيام لها خدع
ما كنت أوفي شبابي كنت غرته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع