للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن رأيت أن تأذن لي في إنشادك، فإني إن لم أظفر منك ببغيتي في هذا اليوم فلن أظفر بها. قال: وكيف؟ قال: لأني مدحتك بشعر لا أطمع من نفسي ولا من غيري في أجود منه، فإن أنا لم أهزك في هذا اليوم فقد حرمت منك ذلك إلى آخر الدهر. فقال: هات أذن نسمع، فأنشده قصيدته الميمية التي يقول فيها:

وعلى عدوك يا ابن عم محمد ... رصدان ضوء الصبح والإظلام

فإذا تنبه رعته وإذا هدا ... سلت عليه سيوفك الأحلام

فلما بلغ هذين البيتين اهتز الرشيد وارتاح وقال: هذا والله المدح الجيد والمعنى الصحيح، لا ما عللت به مسامعي هذا اليوم - وكان أنشده في ذلك اليوم جماعة من الشعراء - ثم أنشده قصيدته التي على الجيم وهي قوله:

ملك أبوه وأمه من نبعة ... منها سراج الأمة الوهاج

شربا بمكة في ذرا بطحائها ... ماء النبوة ليس فيه مزاج

فلما سمع هذين البيتين كاد يطير ارتياحاً ثم قال: يا أشجع، لقد دخلت إليّ وأنت أثقل الناس على قلبي، وإنك لتخرج من عندي وأنت أحب الناس إليّ. فقال له: فما الذي أكسبتني هذه المنزلة؟ قال له: الغنى، فاسأل ما بدا لك. قال: ألف ألف درهم. قال: ادفعوا إليه.

ومما يستجاد له قوله في الرشيد:

قصر عليه تحية وسلام ... نشرت عليه جمالها الأيام

فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت ... للملك فيه سلامة ودوام

كانت كنوز مآثر فأثارها ... ملك على آرائه عزام

من لي بالعصرين يعتوراني ... والعام يدفع في قفاه العام

<<  <   >  >>