فوجد الفضل بن يحيى ساجداً، فهتف به فلم يجبه، فدنا منه فوجده نائماً يغط، فرجع إلى الرشيد فأعلمه فقال له: ما كان عليه من اللباس؟ قال: كان في ثوب سمل - وكان هذا في الشتاء والبرد الشديد - فقال لمسرور: خذ ذلك الدواج فألقه عليه ولا تنبه؛ ففعل. فلما كان في الغد زاره سعيد بن وهب الشاعر، وكان يألفهم أيام نعمتهم وكانوا إليه محسنين، فكان يرعى لهم - أيام محنتهم - ذلك. فلما دخل عليهم قال: ما هذا الدواج، وقد كنت عندكم أمس ولم أره؟ فأخبروه فقال: نرجو أن يكون هذا سبب الرضا، وجلس يحدثهم، إذ مر إنسان في الشارع ينادي على خشف يبيعه، يدور به على القصور، فلما سمع الفضل ذكر الخشف غشي عليه، وصار كأنه ميت، فنضحوا الماء عليه وغمزوا أطرافه ساعة حتى أفاق، فقالوا له: ما قصتك؟ قال: سمعت ذكر الخشف - يعني جارية كان يهواها، يقال لها خشف - وهي سروري من الدنيا، فظننت أن خبرها قد رفع إلى الرشيد، وأنه عرض لها بسوء، فذهبت نفسي. فقيل له: إنما هو إنسان يبيع خشفاً. فلم يطمئن إلى ذلك حتى دعا السجان فسأله، فدعا الرجل حتى دخل عليه ومعه الخشف، فرآه بعينه فسكنت نفسه، قال لسعيد: أي شيء يشبه خبر هذا من أخبار الناس وأيامهم؟ قال سعيد: قول مجنون بني عامر حيث يقول:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منّي ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائراً كان في صدري
قال: أحسنت والله وأجدت، هذا وأبيك يشبه ما نحن فيه، فخذ بالله