الوقوف بين يدي، ويلاعبهم ويغامزهم - وكان الطائي من أكثر الناس عبثاً ومزاحاً - فقلت له: يا طائي قد ظننت أنك ستصير إلى أمير المؤمنين مع الذي أرى من جودة شعرك، فانظر: إنك إن وصلت إليه لا تمازح غلاماً ولا تلتفت إليه، فإنه من أشد الناس غيرة، وإني لا آمن إن وقف منك على شيء أن يأمر غلمانه فيصفعك كل واحد منهم مائة صفعة. فقال: إذاً أخرج من عنده ببدر مملوءة صفعاً.
وحدثني عبد الصمد الراوي قال: حدثني محمد بن حسان الضبي قال: قدمت بأبي تمام معي من الشام إلى العراق، وكان معي في سفينتي منجم قد حملته في حملتي، فكان الطائي قد أولع به يضربه ويخرق ثيابه، فكنت ألومه على ذلك وأعذله، وأقول: ويحك، رجل قد صحبنا، ووجب حقه علينا، لم تفعل به مثل هذا؟ والله ما هذا فعل الكرام، ولا من شأن أهل الأدب. وكان من جوابه لي أن قال: هذا من عض بظر أمه، لو كان منجماً، وكان يعلم شيئاً كما يزعم، لما ركب معنا هذه السفينة، وأنا أضربه هذا الضرب وأوذيه هذا الأذى.
وحدثني أبو الغصن محمد بن قدامة قال: دخلت على حبيب بن أوس بقزوين وحواليه من الدفاتر ما غرق فيه فما يكاد يرى، فوقفت ساعة لا يعلم بمكاني لما هو فيه، ثم رفع رأسه فنظر إلي فسلم علي، فقلت له: يا أبا تمام إنك لتنظر إلى الكتب كثيراً وتدمن الدرس فما أصيرك عليها! فقال: والله ما لي إلف غيرها ولا لذة سواها، وإني لخليق إن اتفقدها أن أحسن.