للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جيد، والرديء الذي له إنما هو شيء يستغلق لفظه فقط. فأما أن يكون في شعره شيء يخلو من المعاني اللطيفة والمحاسن والبدع الكثيرة فلا، وقد أنصف البحتري لما سئل عنه وعن نفسه فقال: جيد خير من جيدي، ورديي خير من رديه، وذلك أن البحتري لا يكاد يغلظ لفظ هـ، إنما ألفاظه كالعسل حلاوة، فأما أن يشق غبار الطائي في الحذق بالمعاني والمحاسن فهيهات، بل يغرق في بحره. على أن للبحتري المعاني الغزيرة، ولكن أكثرها مأخوذ من أبي تمام، ومسروق من شعره. وأبو تمام هو الذي يقول:

يا لابساً ثوب الملاحة أبله ... فلأنت أولى لابسيه بلبسه

لم يعطيك الله الذي أعطاكه ... حتى استخف ببدره وبشمسه

رشأ إذا ما كان يطلق طرفه ... في فتكه أمر الحياء بحبسه

وأنا الذي أعطيته عض الهوى ... وضممته فأخذت عذرة أنسه

وغرسته فلئن جنيت ثماره ... ما كنت أول مجتنٍ من غرسه

مولاك، يا مولاي، صاحب لوعة ... في يومه وصبابة في أمسه

وهو القائل:

محمد بن حميد أخلقت رممه ... هريق ماء المعالي مذ هريق دمه

تنبهت لبنى نبهان يوم ثوىيد الزمان فعاثت فيهم وفمه

رأيته بنجاد السيف محتبياً ... كالبدر لما جلت عن وجهه ظلمه

في روضة قد كسا أطرافها زهر ... أيقنت عند انتباهي أنها نعمة

فقلت والدمع من حزن ومن فرح ... في اليوم قد أخضل الخدين منسجمه

ألم تمت يا شقيق النفس مذ زمن ... فقال لي: لم يمت من لم يمت كرمه

<<  <   >  >>