وذكر على خلاف ما وصفنا من حرصه وكلبه فعل عجيب يدل على كبر الهمة وشرف النفس، وهو أنه كان ألح على محمد بن حميد بن قحطبة يهجوه الهجاء المؤلم الذي يؤذيه، فكان يتلافى الأمر معه بكل حيلة ولا ينجع فيه، فعمد إلى بدرة فيها عشرة آلاف درهم، وتخت فاخر من الثياب، وفرس عتيق، ووصيف رائع، فوجه إليه بجميع ذلك مع ثقة له، وكتب إليه رقعة يحلف فيها أنه ما يعلم بذلك غيره وغير رسوله، ويقول له فيها: أما لك أن تقبل هذه وتكفيني أمرك وتكف عني؟ قال: فرد جميع ذلك وكتب له في ظهر رقعته:
وفعلت فعل ابن المهلب إذ ... كعم الفرزدق بالندى الغمر
لا أقبل المعروف من رجل ... ألبسته عاراً على الدهر
وبعثت بالأموال ترغبني ... كلا ورب الحشر والنشر
وكتب تحت الأبيات: ولكني والله لا عدت بعدها إلى ذكرك بسوء فأمسك عنه فما هجاه بعد ذلك. وهذا عجيب من مثله، فإنه حدثني أبو إبراهيم الجرجاني قال: حدثني إسحاق بن شيبة قال: أخبرني ربيعة الرازي قال: رأيت محمد بن حازم يطلب من إسحاق بن حميد بن نهيك تِكَّةً فمنعه، فقال له ابن حازم: يا أبا يعقوب إن لم يمكنك تكة ففرد نيفق أو ليس بعجيب أن يفعل مثل تلك الفعلة وهو بهذا الحد من الجشع؟