نتحدث على شراب لنا في بعض المتنزهات. غذ أقبل قنفذ أبيض يدب مكانه فظنناه جائعاً، فألقينا له كسرة، فأكلها، ثم قلنا: لو سقيناه. فوضعنا له نبيذاً في قدح واسع، فقلت لمحمد: هل لك أن تقول فيه شيئاً نُغالط به سعيد بن مسلم غداً؟ قال: نعم. ثم أنشد:
وطارق ليلٍ جاءنا بعد هجعة ... من الليل إلا ما تحدث سامر
قريناه صفو الراح إذ جاء صارقاً ... على الزاد لم يشعر بنا وهو سادر
جميل المحيا في الرضا. فإذا أبى ... حمته من الضيم الرماح الشواجر
ولست تراه واضعاً لسلاحه ... من الدهر موتوراً ولا هو واتر
ثم لقينا سعيداً فأنشدناه الأبيات فاستحسنها، وقال: هكذا والله أحب الفتى متيقظاً. فضحكنا. فقال: لكما والله قصة، لا تفارقاني أو تخبراني. فأخبرناه، فضحك ثم قال: لا يعلم الغيب إلا الله فكنا بعد ذلك لا نأتيه إلا تبسم في وجوهنا.
ومما يستحسن له قوله:
أتظن والذي تهوى مقيمُ ... لعمرك إن ذا خطر عظيمُ
إذا ما كنت للحدثان عوناً ... عليك مع الزمان فمن تلومُ
شقيت به فما أنا عنه سال ... ولا هو إذ شقيت به رحيم
وله:
يا قمر الكرخ إن عبدكم ... غريق شوق صريع أسقامِ
لم يخط سهمُ الفراق مهجته ... شلت يمين الفراق من رام