من سر من رأى، من عند أمير المؤمنين صرت إليه، ورأيت جلة أهل البصرة عنده، وقد كان الخليفة أكرمه، وخلع عليه ووصله بمال كثير، فلم أر أخاه عبد الصمد عنده فيمن أراه، فقلت: ما لي لا أرى أبا القاسم عندك؟ فقال: إن أبا القاسم أعزه الله وافتنى هديته في هذه الليلة التي قدمت فيها بما يكون من الأخ البار بأخيه، فإن أحببتم أريتكم ذلك، قلنا له: قد أحببنا، أصلحك الله، فمثله من بر، ومثله من وصل وأكرم أخاه. فرفع ثِنى وسادته وأخرج رقعة وإذا فيها:
وغاب وخصيتاه كأكرتين ... وآب وخصيتاه كنصف دُبّهْ
ولما أن أتته دريهمات ... من السلطان باع بهن ربه
وكان يذمهم في كل يوم ... يشي بالجهل والهذيان خُطبه
كسبت أبا الفضول لنا معاباً ... وعاراً قد شملت به وسبه
ولم نر مالكاً أجدى عليه ... كما أجدى على النرسي شعبه
ثم قال: هذا بره وإكرامه إياي. قلنا: بئس والله ما أهدى. وقبحنا فعله. فقال: إن لم يكن مع هذا غيره فنحن بخير، قلنا: وما عسى أن يكون؟ فقال: هيهات، أنا أعرف أبا القاسم أعزه الله.
ومما يستحسن له قوله:
ناديته وظلام الليل معتكر ... تحت الرواق دفينا في الرياحينِ
فقلت: قم. قال: رجلي لا تطاوعني ... فقلت: خذ. قال: كفى لا تواتيني
إنى غفلت عن الساقي فصيرني ... كما تراني سليب العقل والدين