ثم قام متوكئًا على بلال، فأمَر بتقوى الله وحثَّ على الطاعة، ووعَظ الناس وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكَّرهن، فقال:((تصدَّقن فإنكنَّ أكثر حطب جهنم)) ، فقامت امرأة من سِطَة النساء سفعاء الخدَّين فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال:((لأنكن تكثرن الشِّكَاية، وتكفرن العشير)) ، قال: فجعلن يتصدَّقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن".
قوله: "فقامت امرأة من سِطَة النساء"؛ أي: من وسطهن في المجلس.
قوله: "سفعاء الخدَّين" (الأسفع) و (السفعاء) : مَن أصاب خدَّه لونٌ يخالف لونه الأصلي من سواد أو خضرة أو غيره، والحديث يدلُّ على عدم مشروعية الأذان والإقامة لصلاة العيد وهو بإجماع العلماء.
قال ابن دقيق العيد: وكان تخصيص الفرائض بالأذان تمييزًا لها بذلك عن النوافل، وإظهارًا لشرفها، وهذه المقاصد التي ذكرها الراوي من الأمر بتقوى الله والحث على طاعته، والموعظة والتذكير، هي مقاصد الخطبة، انتهى.
قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد أيضًا استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام، وتذكيرهن بما يجب عليهن، وحثهن على الصدقة، وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد، ومحلُّ ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة، وفيه خروج النساء إلى المصلى، واستدلَّ به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقُّف على إذن زوجها أو على مقدار معيَّن، وفيه أن الصدقة من دوافع العذاب، وفيه بذل النصيحة والإغلاظ بها لِمَن احتِيج في حقِّه إلى ذلك، وفيه جواز طلَب الصدقة للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج، وفي مبادرة تلك النسوة على الصدقة بما يعزُّ عليهن من حليِّهن مع ضيق الحال في ذلك الوقت دلالة على رفيع
مقامهن في الدين وحرصهن على امتثال أمر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم، ورضي عنهن.