هو كسب فيه دناءة وليس بمحرَّم، فحملوا الزجر عنه على التنزيه، ومنهم مَن ادَّعى النسخ وأنه كان حرامًا ثم أُبِيح، وجنح إلى ذلك الطحاوي، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد، فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة، ويحرم عليه الإنفاق على نفسه منها، ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها، وأباحوها للعبد مطلقًا، وعمدتهم حديث محيصة: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الحجام فنهاه، فذكر له الحاجة فقال:((أعلفه نواضحك)) ؛ أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات، انتهى.
قال في "الاختيارات": وإذا كان الرجل محتاجًا إلى هذا الكسب ليس له ما يغنيه عنه إلا المسألة للناس فهو خيرٌ له من مسألة الناس، كما قال بعض السلف: كسبٌ فيه دناءة خيرٌ من مسألة الناس.
* * *
[باب العرايا وغير ذلك]
الحديث الأول
عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها تمرًا يأكلونها رطبًا".
* * *
الحديث الثاني
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص في بيع العرايا في خمسة أَوْسُق أو دون خمسة أَوْسُق)) .
(العرايا) ، جمع عرية: وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة، كان العرب في الجدب يتطوَّع أهل النخل بذلك على مَن لا ثمر له، كما يتطوَّع صاحب الشاء