منهم غير موحِّد على التحقيق كالنصارى فالمطالبة متوجِّهة إليه بكل واحدة من الشهادتين عينًا، ومَن كان موحِّدًا كاليهود فالمطالبة له بالجمع بين ما أقرَّ به من التوحيد وبين الإقرار بالرسالة، وإن كان هؤلاء اليهود الذين باليمن عندهم ما يقتضي الإشراك ولو باللزوم، يكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم، وقد ذكر الفقهاء
أن مَن كان كافرًا بشيء مؤمنًا بغيره لم يدخل في الإسلام إلا بالإيمان بما كفر به، انتهى.
قوله: ((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) ؛ أي: شهدوا وانقادوا ((فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) فيه البداءة بالأهم فالأهم، وذلك من التلطُّف في الخطاب؛ لأنه لو طالَبَهم بالجميع في أوَّل مرَّة لم يأمن النفرة.
قوله: ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تُؤخَذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) فيه دليل على جواز إخراج الزكاة في صنف واحد.
قوله: ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم)) قال ابن دقيق العيد: ويدل الحديث على أن كرائم الأموال لا تؤخذ من الصدقة كالأكولة والربا، وهي التي تربي ولدها، والماخض: وهي الحامل، وفحل الغنم وحزارات المال، وهي التي تحزر بالعين وترمق لشرفها عند أهلها، والحكمة فيه أن الزكاة وجبت مواساة للفقراء من مال الأغنياء ولا يناسب ذلك الإجحاف بأرباب الأموال فسامَح الشرع أرباب الأموال بما يضنُّون به ونهى المصدِّقين عن أخذه، انتهى.
قوله: ((واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) ؛ أي: إنها مقبولة ليس لها صارف يصرفها ولا مانع.
وعن أبي هريرة مرفوعًا: ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه)) ؛ أخرجه أحمد.
وفي الحديث تنبيهٌ على المنع من جميع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم.
قال الحافظ: وفي الحديث أيضًا الدعاء إلى التوحيد قبل القتال وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها، وفيه بعث السعاة لأخذ الزكاة وقبول
خبر الواحد ووجوب العمل به، وفيه أن الزكاة لا تُدفَع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين، انتهى.
وقال عياض: فيه إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون؛ لعموم قوله: ((من أغنيائهم)) .
وقال البغوي: فيه أن المال إذا تلف قبل التمكُّن من الأداء سقطت الزكاة لإضافة الصدقة إلى المال.