وفي لفظ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كلِّ رمضان، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه.
(الاعتكاف) : هو المقام في المسجد لطاعة الله - تعالى - على صفة مخصوصة، وهو قربة وطاعة؛ قال الله - تعالى -: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج: ٢٦] ، وقال - تعالى -: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[البقرة: ١٨٧] .
وهو في اللغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه، برًّا كان أو غيره، ومنه قوله - تعالى -: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[الأنبياء: ٥٢] .
قال ابن دقيق العيد: وحديث عائشة فيه استحباب مطلق الاعتكاف، واستحبابه في رمضان بخصوصه، وفي العشر الأواخر بخصوصها، وفيه تأكيد هذا الاستحباب بما أشعر به اللفظ من المداوَمَة، وبما صرَّح به في الرواية الأخرى من قولها:"في كل رمضان"، وبما دلَّ عليه من عمل أزواجه من بعده، وفيه دليلٌ على استواء الرجل والمرأة في هذا الحكم، انتهى.
قوله:"فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه" فيه أن أوَّل الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح، وهو قول الأوزاعي والليث والثوري، ورواية عن الإمام أحمد، وبه قال الأوزاعي وإسحاق، وقال الجمهور: يدخل قبل غروب الشمس.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتَكَفه، وأنه أمر بخِبَاء فضُرِب لمَّا أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضُرِب، وأمرت غيرها من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبائها فضُرِب، فلمَّا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر نظر فإذا الأخبية فقال:((البر يردن)) ، فأمر بخبائه ففوض وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأواخر من شوال"؛ رواه