والحديث دليلٌ على أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها.
قال الحافظ: وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق بها غير الواقعة؛ لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة، وفيه الرفق بالجاهل
وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادًا، وفيه رأفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن خلقه، وفيه تعظيم المساجد وتنزيهها عن الأقذار، وفيه دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما؛ لأنه لو قطع عليه بوله لأدَّى ذلك إلى ضرر بدنه أو تكثير النجاسة في المسجد، وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع.
* * *
الحديث الخامس
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقصُّ الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط)) .
((الفطرة)) : الجبلة التي خلق الله الناس عليها وجبل طباعهم على فعلها، وهي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، وقوله - تعالى -: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ}[الروم: ٣٠] ؛ أي: دين الله، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلُّ مولود يُولَد على الفطرة فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه)) ؛ أي: لو تُرِك لأدَّاه نظره إلى الدين الحق وهو التوحيد.
قوله:((الفطرة خمس ... )) إلى آخره، الحصر مبالغة لتأكيد أمر الخمس المذكورة، كقوله:((الدين النصيحة)) ، و ((الحج عرفة)) ، وفي رواية ((خمس من الفطرة)) ، وقد ثبت في أحاديث أُخَر زيادة على الخمس.
((الختان)) واجب على الذكور ومستحب للنساء، وروى:((الختان سنة في الرجال مَكْرُمَة في النساء)) ؛ أخرجه أحمد والبيهقي.
قال في "المدخل": إن السنة إظهار ختان الذكر، وإخفاء ختان الأنثى.
و ((الاستحداد)) هو: إزالة شعر العانة بالحديد، ويجوز بغير ذلك كالنتف والنورة.