قال أبو عبيد: ذهب ابن عباس إلى أن هذه الآية ليست منسوخة بآية المائدة: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، بل هما محكمتان، وكأنه أراد أن آية المائدة مفسِّرة لآية البقرة، وأن المراد بالنفس نفس الأحرار ذكورهم وإناثهم دون الأرقَّاء، فأنفسهم متساوية دون الأحرار.
وقال سعيد بن جبير في قول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ؛ يعني: إذا كان عمدًا الحر بالحر، "وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيَّين يتطاوَل على الآخَر في العدَّة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منَّا الحر منهم، وبالمرأة من الرجل منهم، فنزل فيهم:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى}[البقرة: ١٧٨] ؛ رواه ابن أبي حاتم.
قال الحافظ: والآية أصلٌ في اشتراط التكافؤ في القصاص، وهو قول الجمهور.
قوله:((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث)) ؛ أي: خصال ثلاث: ((الثيِّب الزاني)) ؛ أي: فيحلُّ قتله بالرجم ((والنفس بالنفس)) ؛ أي: مَن قتل نفسًا عمدًا بغير حقٍّ قُتِل ((والتارك لدينه)) ؛ أي: المرتد وهو المسلم يكفر بعد إسلامه.
قوله:((المفارِق للجماعة)) المراد: جماعة المسلمين؛ أي: فارَقَهم بالارتداد، قال القرطبي: ظاهر قوله: ((المفارق للجماعة)) ، أنه نعت للتارك لدينه؛ لأنه إذا ارتدَّ فارَق جماعة المسلمين، غير أنه يلتحق به كلُّ مَن خرج عن جماعة المسلمين وإن لم يرتدَّ، كمَن يمتنع من إقامة الحد عليه إذا وجب ويقاتل على ذلك؛ كأهل البغي، وقطَّاع الطريق، والمحارِبين من الخوارج، وغيرهم، فيتناوَلهم لفظ المفارق للجماعة بطريق العموم، انتهى.
وقال الإمام أحمد: إذا ترك الصلاة كفر وقتل ولو لم يجحد وجوبها، وقال الجمهور: يقتل حدًّا لا كفرًا، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوَّل ما يُقضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) .