"قال الشيخ الحافظ تقيُّ الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الله بن علي بن سرور المقدسيُّ - رحمه الله تعالى -: الحمد لله الملك الجبَّار، الواحد القهَّار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفَّار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المختار، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه الأخيار.
أمَّا بعدُ، فإن بعض إخواني سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام، مما اتَّفق عليه الإمامان: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، ومسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، فأجبته إلى سؤاله رجاء المنفعة به، وأسأل الله أن ينفعنا به ومَن كتبه أو سمعه أو قرأه أو حفظه أو نظر فيه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، مُوجِبًا للفوز لديه في جنات النعيم، فإنه حسبنا ونعم الوكيل".
هذا الكتاب من أصحِّ الكتب وأنفعها، ولا بُدَّ لطالب العلم من حفظه؛ فإن أحاديثه صحيحة صريحة جامعة لما تفرَّق في غيره من كتب الحديث، ومؤلفه هو الإمام العالم العامل القدوة الحافظ عبد الغني بن عبد الله بن علي بن سرور المقدسي الدمشقي المولود سنة خمسمائة وإحدى وأربعين، والمتوفى سنة ستمائة، كان كثير العبادة ورعًا متمسِّكًا بالسنة - رحمه الله تعالى.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن": ورأيت أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل واحدة منهما لا تتميَّز عن أختها في الحاجة، ولا يستغنى عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع، انتهى.