للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: ((ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) ؛ أي: لا ينفع ذا الحظ حظه، وإنما ينفعه العمل الصالح كما قال - تعالى -: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ، وقال - تعالى -: {يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: ٨٨- ٨٩] ، وإضاعة المال: بذلُه في غير مصلحة دينية ولا دنيوية.

قال ابن دقيق العيد: وأمَّا كثرة السؤال ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون ذلك راجعًا إلى الأمور العلمية، وقد كانوا يكرهون تكلُّف المسائل التي لا تدعو الحاجة إليها، وفي حديث معاوية: "نهى الله عن الأغلوطات"؛ وهي شداد المسائل وصعابها، وإنما كان ذلك مكروهًا لما يتضمَّن كثيرًا من التكلُّف في الدين والتنطُّع والرجم بالظن من غير ضرورة تدعو إليه، مع عدم الأمن من العثار وخطأ الظن، والأصل المنع من الحكم بالظن إلا أن تدعو الضرورة إليه.

الوجه الثاني: أن يكون ذلك راجعًا إلى سؤال المال، وقد وردت أحاديث في تعظيم مسألة الناس، انتهى.

قال الحافظ: والأَوْلَى حَمْلُه على العموم.

قوله: "وكان ينهي عن عقوق الأمهات ووأد البنات"؛ أي: قتلهن.

"ومنع وهات"؛ أي: منع ما أمر ببذله، وسؤال ما ليس له، وحكم اختصاص الأم بالذكر إظهار لعِظَم حقها، والعقوق محرَّم في حق الوالدين جميعًا.

وفي لفظ: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات ومنعًا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) .

قال الحافظ: وفي الحديث استحباب هذا الذكر عقب الصلوات؛ لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد، ونسبة الأفعال إلى الله، والمنع والإعطاء وتمام القدرة، وفيه المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها.

* * *

الحديث الثالث

عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن فقراء المسلمين

<<  <   >  >>