الأولى: مشقة عظيمة فادحة تتجاوز الحدود العادية والطاقة البشرية السوية، كما إذا كان العمل يؤدي الدوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه، أو يؤدي إلى خلل في صاحبه في نفسه أو ماله، كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء، فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد وموجبة للتخفيف والترخيص قطعاً؛ لأن حفظ النفوس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات.
ومن أمثلتها: الخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد بأن لا يجد مكاناً يؤويه ولا ثوباً يتدفأ به ولا ماء مسخناً ولا حماماً، فجاز له التيمم.
وكذا إذا لم يجد للحج إلا طريقاً من البحر وكان الغالب عدم السلامة فلا يجب عليه الحج.
المرتبة الثانية: مشقة خفيفة كأدنى وجع في إصبع أو أدنى صداع في الرأس أو سوء مزاج خفيف، فهذا وأمثاله لا أثر له ولا التفات إليه، لأن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها.
المرتبة الثالثة: متوسطة بين هاتين، فما دنا من المرتبة العليا أوجب التخفيف، أو من المرتب المرتب الدنيا لم يوجبه كحمى خفيفة أو وجع ضرس يسير وذلك كمريض في رمضان يخاف من الصوم زيادة مرض أو بطء البرء أو تأخيره، فيجوز له الفطر إذا غلب على ظنه ذلك، وهكذا في المرض المبيح للتيمم، واعتبروا في الحج الزاد والراحلة المناسبين للشخص، حتى قالوا، يعتبر في حق كل إنسان ما يصح معه بدنه.