علم الفقه وعلم أصول الفقه علمان مرتبطان بارتباط وثيق بحيث يكاد المرء يجزم بالوحدة بينهما، وكيف لا يكون ذلك وأحدهما أصل والآخر فرع لذلك الأصل، كأصل الشجرة وفرعها، فالأصولي ينبغي أن يكون فقيهاً، والفقيه ينبغي أن يكون أصولياً وإلا كيف استنباط الحكم من الدليل؟ وكيف يكون مجتهداً من لم يتبحر في علم الأصول؟
ومع ذلك يمكن أن يقال: إنهما علمان متمايزان فأحدهما مستقل عن الآخر من حيث موضوعه واستمداده وثمرته والغاية من دراسته.
وبالتالي فإن قواعد كل علم منهما تتميز عن قواعد الآخر تبعاً لتمايز موضوعي العلمين: فموضوع علم أصول الفقه هو أدلة الفقه الإجمالية والأحكام وما يعرض لكل منها، وأما موضوع علم الفقه فهو أفعال المكلفين وما يستحقه كل فعل من حكم شرعي عملي. وبالتالي فإن قواعد علم أصول الفقه تفترق وتتميز عن قواعد علم الفقه، وإن من أول من فرَّق بين قواعد هذين العلمين وميَّز بينهما الإمام شهاب الدين القرافي في مقدمة كتابه (الفروق) حيث قال: أما بعد فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله منارها شرفاً وعلواً اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد