هذا عن سطح شبه الجزيرة العربية بحدوده وأقسامه الطبيعية، وعن تصور العرب والشعوب المجاورة لهم أو المتصلة أو المهتمة بهم وببلادهم لهذه الحدود والأقسام الطبيعية. ونستمر الآن في الحديث عن بقية الملامح الجغرافية لشبه الجزيرة، وأول ما يسترعي انتباهنا في هذا المجال هو المناخ الذي يميل بشكل ملحوظ إلى الجفاف, والذي يسيطر على أغلب أقسام المنطقة بشكل عام. وقد يبدو هذا غريبا إذا أدخلنا في اعتبارنا أن شبه جزيرة العرب تحيط بها ثلاثة امتدادات مائية, هي الخليج العربي في الشرق والمحيط الهندي في الجنوب والبحر الأحمر في الغرب, وهي امتدادات مائية يبدو للوهلة الأولى أنها كفيلة, بما ينتج عنها من بخر، أن تجعل المنطقة أميل إلى الرطوبة المسببة للمطر، ولكن بعض العوامل الطبيعية حالت دون هذه النتيجة المفترضة؛ ومن ثم أدت إلى الجفاف الذي أصبح السمة المناخية الغالبة لشبه الجزيرة.
وأول هذه العوامل الطبيعية هو أن اثنين من هذه الامتدادات المائية، وهما الخليج في الشرق والبحر الأحمر في الغرب, لا يشكلان في حقيقة الأمر إلا سطحين ضيقين إذا قيسا ببعض البحار الداخلية مثل البحر المتوسط أو البحر الأسود, أو بالمسطحات المائية الهائلة مثل المحيطات، ومن هنا فإن أثرهما من حيث الرطوبة غير كافٍ لكسر حدة الامتداد الصحراوي الجاف وفي استمراريته المتوافرة عبر الكتلة الإفريقية الآسيوية الهائلة. أما المحيط الهندي الذي يغسل الشواطئ الجنوبية لشبه الجزيرة فرغم ما يوفره من كمية بخر هائلة إلا أن رياح السموم الحارقة "وتسمى أحيانا بالسهام أو الهفوف"، وهي العامل الطبيعي الثاني تستوعب أغلب هذا البخر وتحول دون تحوله إلى أمطار؛ ومن ثم تقضي على أثره. وتبلغ درجة الحرارة المترتبة على هذه الرياح حول ٥٥ درجة مئوية في عمومها مع اختلاف بسيط بين منطقة وأخرى كما هو الحال، على سبيل المثال، بين مكة التي ترتفع فيها درجة الحرارة بشكل