وأختم هذا الحديث بكلمة سريعة أضمنها بعض الملاحظات التي ينبغي أن ندخلها في اعتبارنا ونحن بصدد الاعتماد على الشعر الجاهلي كمصدر من المصادر التاريخية التي نتعرف خلالها على أحوال شبه جزيرة العرب في العصر السابق للإسلام, ثم بعض المجالات التي نستطيع أن نتعرف من خلالها على حياة هذا المجتمع الجاهلي في جوانبه المختلفة. وأولى الملاحظات في هذا الصدد هي أن الشعر الجاهلي لا يغطي إلا فترة قصيرة من عصر ما قبل الإسلام. فبينما ظهر العرب في علاقاتهم الخارجية كمجموعة بشرية لها هويتها أو شخصيتها الجماعية منذ القرن العاشر ق. م. على الأقل، أي: قبل ظهور الدعوة الإسلامية بستة عشر قرنا أو يزيد، نجد ما وصلنا من هذا الشعر لا يتخطى بدايات القرن السادس الميلادي أي: إنه يغطي قرنا واحدا قبل العصر الإسلامي. ومن ثم فالإشارات التي ترد فيه عن أحوال مجتمع شبه الجزيرة قبل الإسلام يجب أن نتعامل معها وفي ذهننا هذا الاعتبار.
وهنا أود أن أشير إلى نوع هذا التعامل. فإذا كانت الإشارة إلى حدث، مثل يوم أو آخر من أيام العرب التي تغنوا بها في مواضع عديدة من هذا الشعر, فإن قدرًا كبيرًا من التدقيق يصبح واردًا لتحديد المسافة الزمنية التي وقع فيها هذا الحدث، وفي هذا المجال تصبح الاستعانة بمصادر أخرى "كلما أمكن ذلك" أمرا واجبا، سواء كانت هذه المصادر نقوشا أو نصوصا أو آثارا تعطينا قرينة أو ملابسة تساعدنا على هذا التحديد، كما هو الحال، على سبيل