هذا فيما يخص منطقة بابل في جنوبي وادي الرافدين كموطن أصلي انطلقت منه الشعوب السامية إلى الأماكن التي استقرت فيها في العصور التاريخية. وقد رأينا الصعوبات التي تقف في طريق أصحاب هذا الرأي بعد أن رأينا صعوبات من نوع آخر تعترض الرأي الذي يجد في منطقة أرمينية أنسب مكان للموطن الأصلي لهذه الشعوب. على أن رأيا ثالثا ضمن الافتراض الآسيوي لأصل الشعوب السامية استحوذ ولا يزال يستحوذ على مناقشات الباحثين بشكل موسع حتى الآن، وهو الرأي الذي يجد أصحابه أن شبه جزيرة العرب "بما فيها الصحراء السورية التي تشكل تخومها الشمالية" هي الموطن الأصلي للساميين.
وموجز ما توصل إليه أصحاب هذا الرأي هو أن شبه جزيرة العرب لم تكن منطقة صحراوية جافة في كل عصورها القديمة، فقد تعرضت لهطول أمطار غزيرة طوال عصر البلايستوسين "آخر العصور الجيولوجية" شأنها في ذلك شأن بقية المناطق المدارية "على الأقل في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية" وأنها كانت نتيجة لذلك منطقة تغطيها الغابات والنباتات والأعشاب, وتسكنها المجموعات البشرية على امتداد مساحتها. ولكن العصر البلايستوسيني انتهى بأمطاره حوالي ١٠.٠٠٠ق. م. وبدأ الجفاف يزحف على المنطقة لتحل محل هذه المناطق الخضراء المأهولة بالسكان امتدادات صحراوية جافة مجدبة "إلا حيث وجدت الأنهار التي نحتت لها مجرى واستقرت عليه مثل نهر النيل ونهري دجلة والفرات" وكانت شبه الجزيرة العربية إحدى هذه الامتدادات. وقد كانت نتيجة ذلك, في رأي هؤلاء الباحثين، أن موارد الغذاء من النبات والحيوان بدأت تتضاءل بالتدريج بحث اضطر سكان المنطقة إلى أن ينزحوا منها بالتدريج كذلك كلما زحف الجفاف والإجداب على هذه الموارد, الأمر الذي أدى إلى موجات متتالية من الهجرات البشرية من شبه الجزيرة العربية إلى المناطق