إذا كانت الآثار التي تركتها مجتمعات شبه الجزيرة العربية هي السجل الفعلي الذي نعرف من خلاله ما أنجزته هذه المجتمعات "في حدود ما نعثر عليه من هذه الآثار", وإذا كانت النقوش التي خلفها بعض أفراد أو فئات من هذه المجتمعات تعرفنا بما ذكره هؤلاء عن أنفسهم أو عن ظروفهم ومواقفهم وعلاقاتهم، فإن نوعا آخر من المصادر يعطينا زاوية أخرى أساسية للتعرف على مجتمعات شبه الجزيرة في الفترة السابقة لظهور الإسلام, وهذا النوع هو المصادر التي وصلتنا عن طريق التدوين الكتابي, والتي فيها ذكر لأحوال هذه المجتمعات.
وينقسم هذا النوع من المصادر إلى قسمين رئيسيين: أولهما ديني, ويضم القرآن الكريم والتوراة, اللذين وصلا إلينا في هذه الصورة المكتوبة، ثم الأفكار الوثيقة الصلة بهذين الكتابين المنزلين, وهي الحديث الشريف الذي يضم مجموعة التعليمات والتعليقات التي نطق بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتنوقلت عن طريق الرواية حتى تم تدوينها فيما بعد، ثم التلمود الذي يمثل مجموعة الأحكام والشروح والروايات المتصلة بالتوراة التي تواترت هي الأخرى شفاها بعض الوقت ثم سجلها بعض أحبار اليهود كتابةً بعد ذلك. أما القسم