وليس الحديث عن الأقوام التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية وعن أحوالهم الدينية هو كل ما نستطيع أن نستخلصه، أو نستخلص إشارات عنه, من القرآن الكريم, وإنما تتطرق الآيات القرآنية إلى ما يعطينا فكرة عن الاهتمامات والعلاقات التي كانت تظهر في الشقين الرئيسيين للسكان في شبه الجزيرة العربية, وهما سكان المدن وسكان البادية. ومكة إحدى المدن التي يرد ذكرها في القرآن الكريم مؤكدا صفتها الدينية الموغلة في القدم، وهي صفة اكتسبتها في العصور السابقة للإسلام من وجود الكعبة بها، ومشيرا في موضع آخر إلى الأمن الذي كانت تتمتع به، وهو أمن نستطيع أن نرده إلى هذه الصفة الدينية وإلى صفة أخرى هي أنها كانت معقد الخطوط التجارية الرئيسية نحو الشام في الشمال واليمن في الجنوب ووادي الرافدين في الشمال الشرقي، وهو وضع يفرض الأمن بين أصحاب القوافل التجارية كإجماع على ضرورة حيوية بالنسبة لمصالحهم. كذلك نسمع من القرآن الكريم عن الصلح الذي تم بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبين قريش في المنطقة المحيطة بمكة