ومن خلال هذه التفاصيل ومن عدد من النقوش والمصادر الأخرى نستطيع أن نميز عدة اتجاهات رئيسة للطرق البرية. والاتجاه الأول كانت تتبعه طريق موازية تقريبا للبحر الأحمر من أقصى جنوب شبه الجزيرة إلى المنطقة السورية وشواطئها في الشمال. هذه الطريق كانت تبدأ من مناطق قتبان في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة وحضرموت الواقعة إلى شرقيها وسبأ المتاخمة لهما من ناحية الشمال. ويبدو أن اتفاقًا ما كان قائما في أواسط القرن الثاني الميلادي "وربما كان قائما قبل ذلك التاريخ, وربما استمر قائما بعده" بين اثنتين من هذه المناطق الثلاث على الأقل، وهما سبأ وقتبان، تتجمع بمقتضاه أحمال الطيوب في تمنع "thomna عند الكاتب الموسوعي الروماني بلينيوس plinius" عاصمة قتبان، ولعل التضاريس الجغرافية هي التي قضت بهذا الاتفاق، ومن تمنع تبدأ طريق القوافل الرئيسة نحو الشمال مخترقة الحدود الشمالية لمنطقة سبأ لتتخذ بعد ذلك شكل ممر طويل ضيق يقع في أرض المعينيين ثم تصل بعد ذلك إلى مكة التي نراها قبل ظهور الإسلام مركزا تجاريا نشطا يعقد الصفقات ويبرم الاتفاقات سواء منها الداخلية أو التي تتم مع الدول المتاخمة لشبه الجزيرة، ثم تستمر الطريق شمالًا إلى ديدان "العلا الحالية" ثم إلى مدين "مغاور شعيب حاليا" حيث لا تزال الآثار التي تنم عن ثروة هاتين المدينتين تشير إلى الثروة التجارية التي كانتا تتمتعان بها ثم إلى أيلة -العقبة حاليا- ثم بعد ذلك إلى البتراء "petra عند الكتاب الكلاسيكيين" عاصمة الأنباط، ثم تتفرع الطريق هنا إلى فرعين أحدهما إلى تدمر "palmyra عند الكتاب الكلاسيكيين" في الشمال والآخر يتجه إلى الغرب مع ميل طفيف إلى الشمال الغربي حتى يصل إلى غزة ورينوكولورا rhinokoloura على الشاطئ الفلسطيني. هذا وقد زيد على هذين الفرعين فرع ثالث في عهد الإمبراطور تراجان "ترايانوس trajanus" يصل بين أيلة -العقبة- وتدمر