وأخيرا أنقل الحديث إلى الكتاب الكلاسيكيين الذين ظهروا في المرحلة المتأخرة من العصر الإمبراطوري الروماني, وهنا نجد نوعية مختلفة من المعلومات عن العرب. فبينما كان اتجاه الكتاب الكلاسيكيين حتى هذه الفترة فيما يجمعونه من أخبار عن العرب وعن شبه جزيرة العرب إما يمثل محاولة للتعرف العلمي العام بالمنطقة وسكانها كما كان في المرحلة التي عاصرت الكتاب الأول في القرن الخامس ق. م. أو اهتماما اقتصاديا في أساسه، كما كان الحال في العصر المتأغرق، أو اهتماما موسوعيا عمليا وسياسيا كما كان الحال في المرحلة الأولى من العصر الإمبراطوري الروماني، نجد الأمر يختلف الآن حين نصل إلى المرحلة المتأخرة من هذا العصر. فهذه المرحلة من تاريخ الإمبراطورية الرومانية كانت تسودها مجموعة من التيارات أو العوامل نقلت اهتمام الكتاب الذين ظهروا خلالها فيما يتعلق بالعرب وشبه الجزيرة العربية من الأشكال السابقة إلى شكل جديد.
وفي هذا الصدد سيطر على الرومان، بين عدة عوامل أخرى، ثلاثة عوامل رئيسية: أحدها هو الصراع مع الإمبراطورية الفارسية، والثاني هو الصراع مع البرابرة, والثالث هو انتشار العقيدة المسيحية آنذاك في أرجاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ومن ثم فقد كان اهتمام الكتاب الرومان بالعرب وبشبه الجزيرة، اهتماما جانبيا يكاد ينحصر من جهة في الإمارتين العربيتين الحديتين، اللتين تتبع إحداهما الإمبراطورية الرومانية الشرقية وهي إمارة الغساسنة وتتبع الأخرى الإمبراطورية الفارسية المناوئة وهي إمارة المناذرة، ومن جهة أخرى في الاعتماد على العرب كجنود يعملون بشكل أو بآخر ضمن القوات الرومانية في المعارك بين الرومان والبرابرة، ومن جهة ثالثة في مدى تقبل العرب للعقيدة الجديدة