والظاهرة التي نلاحظها على تطور العقائد الدينية في شبه الجزيرة هي أن المنطقة عرفت عددًا من مراحل التطور الديني في العصور السابقة للإسلام, ولكن مع ذلك فإن هذا التطور لم يشمل كل أرجاء شبه الجزيرة في وقت واحد منتقلا بها كلها من مرحلة إلى مرحلة، وإنما ظهرت هذه المراحل بشكل متفرق في الأقسام المختلفة من شبه الجزيرة وكانت في بعض الأحيان تتجاور أو تتداخل حسب ظروف كل قسم من هذه الأقسام, ويشمل هذا التطور في عمومه مراحل أربعة. والعبادات التي تمثل المرحلة الأولى من مراحل هذا التطور الديني، إذا كانت قد ظهرت بين عدد من مجتمعات شبه الجزيرة في حياته البدائية قبل أن تصبح مجتمعات أكثر تطورًا وتقدمًا، وإذا كانت بعض آثارها قد ظلت موجودة في صورة أو أخرى في هذه المجتمعات حتى بعد تطورها، إلا أنها كانت السمة التي بقيت كظاهرة أساسية في مجتمع البادية.
هذه المرحلة الأولى هي مرحلة عبادة أو تقديس أشياء مادية محددة مثل: الأحجار والأشجار والكهوف وينابيع المياه، وهي أشياء يرى البدوي أنها تفيده في حياته اليومية. فالأحجار، وبخاصة ما كان منها يختلف عن اللون الرملي المعتاد في الصحراء، مثل الحجر الأسود "وفي بعض الأحيان الحجر الناصع البياض" أو إذا كانت بارزة في مظهرها بشكل أو بآخر، كان وجودها في مكان ما يشكل إشارة يستدل بها البدوي على طريقه في مناطق قد تتشابه فيها الرمال في كل الاتجاهات ومن ثم يصبح فيه البدوي على طريقه