للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معرضًا لأن يضل طريقه في أثناء تنقله من مكان إلى مكان. والأشجار وبخاصة شجرة النخيل كانت تشكل عنصرا أساسيا في حياة البدوي يعتمد على تمرها كغذاء رئيسي ويعتمد على أجزاء أخرى منها لتغطية حاجات وضرورات أخرى في حياته اليومية، والشجرة تصبح أكثر أهمية ومن ثم أكثر قداسة بالنسبة له في المناطق التي يقل فيها الشجر؛ وبالتالي تصبح شيئا يعتمد عليه البدوي ويلتصق به بدرجة أكبر. والكهوف تمثل في الصحراء نقطة الحماية التي يلجأ إليها البدوي للاحتماء من الشمس أو من الأعداء، وقد لجأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو ورفيقه أبو بكر الصديق إلى غار حراء، على سبيل المثال، للاحتماء من متتبعيه من قريش في الفترة التي ضيقت هذه خلالها الخناق عليه هو وأتباعه. أما ينابيع المياه فهي بالضرورة نبع الحياة في الامتدادات الصحراوية المقفرة التي لا تعرف الأنهار وقد تمر سنوات متتابعة لا تنزل بها الأمطار، وإذا نزلت فهي تنزل بغير انتظام وتكون قصيرة المدى رغم شدتها التي قد تبلغ مبلغ السيل في بعض الأحيان.

وهذا النوع من العبادة أو التقديس هو ما يعرف باسم "الأرواحية" أو حيوية المادة ANIMISM أي أن يتصور المرء أن هناك روحًا تحل في هذه الأشياء فتعطيها هذه الفائدة الحيوية بالنسبة له. وربما لم يصل الأمر دائما إلى عبادة هذه الأشياء أو على الأقل إلى عبادتها بصفة دائمة، ولكن تقديسها ظل قائما في كل الأحوال، حتى حين انتقل البدوي إلى مرحلة دينية أكثر تطورًا حين بدأ يعتقد في قوى إلهية أكثر شمولا وأكثر تجريدا، كما حدث عندما ظهرت في منطقة الحجاز أو انتقلت إليها عبادات اللات والعزى ومناة وبعل٣٩.


٣٩ وجدت هذه العبادات في فترات مبكرة في العربية الشمالية ومن المحتمل أن تكون قد انتقلت إلى الحجاز من هناك. عن وجود اللات في العربية الشمالية انظر HERODOTUS: iii, ٨٣ وترجع الإشارة إلى أواسط القرن الخامس وهو الوقت الذي كتب فيه هيرودوتوس. عن وجود اللات والعزى في مملكة الأنباط راجع dussaud: ذاته، صفحات ٤٤-٤٥، عن وجودهما في تدمر راجع، ذاته: المرجع ذاته، صفحات ١٠٢-١٠٣, وكذلك اللوحتين ٢١-٢٢ في الصفحتين ذاتهما، المعبودة مناة في تدمر، ذاته: ذات المرجع، ص٩٠، بعل عند الكنعانيين منذ فترة مبكرة، ذاته: ص١٩٥.
٤٠ عن اللات، ابن الكلبي ص١٦. عن العزى، ذاته، صفحات ١٨-٢٠ و٢٤-٢٧. عن مناة، ذاته، ص١٣. عن زمزم، ابن هشام: السيرة، ٧١. عن الزرع البعل، hitti: ص٩٧. قارن مع اللات، المعبود "ذو شارة" الذي كان حجرا أسود كبيرا في البتراء والذي كان على رأس المجمع الإلهي النبطي، راجع hitti: ذاته, ص٧٢، كذلك dussaud: ذاته، صفحات ٣٠ و٤٢.

<<  <   >  >>