وهنا يجدر بنا أن نتوقف لحظة. فهذا الدور الحضاري الكبير الذي انطلقت بوادره ومقوماته الأولى من شبه الجزيرة العربية ابتدأ في العصر الإسلامي، ومن ثم فهو ليس دورًا قامت به شبه الجزيرة قبل ظهور الدعوة الإسلامية التي تشكل بداية هذا العصر. وهذا صحيح، ولكن أي دور حضاري لا يبدأ من فراغ، وإنما لا بد له من مقدمات تمهد له الطريق وتهيئ له أسباب النجاح. وقد كانت هذه المقدمات متوفرة في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام نتيجة لعدد من الأوضاع التي كانت تسود المنطقة والتي أدت إليها ظروف الرقعة المكانية التي تشغلها شبه الجزيرة, وهي ظروف تتمثل من جهة في الموقع الذي يتوسط خطوط المواصلات بين الشرق والغرب، والتي تتمثل من جهة أخرى في الموضع الذي تفرض طبيعته على سكان المنطقة الحركة