الحديث عن العلاقة بين التاريخ والشعر ينسحب في الواقع على العلاقة بين التاريخ وكل ألوان الأدب، سواء أكانت هذه قصة أو رواية أو مسرحية أو أي عمل أدبي آخر. وإنما قصرت الحديث هنا على الشعر فحسب لسبب بسيط هو أن الشعر يشكل اللون الأدبي الغالب، أو لعلة اللون الوحيد الذي تبقى لنا بشكل واضح ومباشر, من ألوان الأدب العربي في الفترة السابقة لظهور الإسلام. والسؤال الذي يطرح نفسه بالضرورة في بداية الحديث هو: كيف نعتمد على الشعر كمصدر من مصادر التاريخ؟ وهو سؤال منطقي, فالتاريخ في جوهره هو الكشف عن حقائق الماضي تمهيدًا لتحليلها وتفسيرها وتقويمها "أعني تقييمها حسب الخطأ الشائع في صياغة الكلمة" والأسلوب الذي يصطنعه المؤرخ في الكشف عن هذه الحقائق هو تمحيص أو تحقيق المادة التي يحصل عليها من مصدر أو آخر من المصادر المتاحة له سواء أكانت هذه المادة تتعلق بأحداث أم مواقف أم اتجاهات أم تيارات، وهذا يبدو لأول وهلة مختلفًا، إن لم يكن مناقضًا لطبيعة الشعر "والأدب بوجه عام". وهي