طبيعة تدخل فيها بالضرورة عوامل العاطفة والانفعال والتصور والخيال والانطباع الفردي الذي يختلف من شاعر أو أديب لشاعر أو أديب آخر بدرجات متفاوتة قد تصل إلى التعارض أو حتى إلى التناقض في بعض الأحيان.
وتكمن الإجابة على هذا السؤال في أن دراسة التاريخ الآن قد أصبحت في المقام الأول دراسة مجتمعات ولم تعد تقتصر على التعرف على حياة الأفراد في ذاتهم لتتخذ من هذه الحياة محورا أو هدفا أساسيا، سواء أكان هؤلاء الأفراد حكاما أم زعماء أم قوادا أم مصلحين أم مفكرين أم متآمرين أم كانت لهم أية صفة أخرى. فالأفراد وحدهم، إذا جاز لنا أن نتصورهم بمعزل عن المجتمع والعصر الذي يوجدون فيه -وهو تصور مستحيل- لا يستطيعون أن يسيِّروا أو يغيروا مجتمعا, مهما كانت شخصيتهم أو قدراتهم الذاتية، وإنما يتم هذا التسيير أو التغيير عندما يتجاوبون، تأثرا وتأثيرا، مع ظروف المجتمعات التي يعيشون فيها بما تضمه من موارد وأفكار وتقاليد وترسبات وتفاعلات وطبقات وتناقضات، ومع ظروف العصر الذي يعيشون فيه بما في ذلك من تيارات واتجاهات وتطورات.
وما دام الأمر كذلك فلا بد أن تدور الدراسة التاريخية في نطاق المجتمع, وأن تتناول كل جوانبه: ظروفه الاقتصادية، تكويناته الطبقية، فئاته الاجتماعية، القيم التي تسوده، معتقداته، مثله العليا، علاقاته الداخلية فيما بين طبقاته وفئاته، مواقفه الخارجية من المجتمعات الأخرى، بل أكثر من هذا يصبح من واجبنا أن نتعرف على هذا المجتمع في حياته اليومية في حله وترحاله، بيئته الجغرافية بتضاريسها ومناخها، الجفاف الذي يعاني منه والمطر الذي ينتظره، النباتات التي تقدمها أرضه أو التي يقوم بزراعتها في هذه الأرض، الدواب التي يعتمد عليها والدروب التي يسلكها، وحتى الملابس التي يرتديها وأدوات العمل والقتال والزينة التي يستخدمها، فهذه كلها احتياجات تؤثر